ثقافي حلب يحيي الذكرى

 عقد المكتب الثقافي للجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري الموحد بحلب ندوة فكرية سياسية بعنوان ( أزمة النظام الإمبريالي العالمي المعاصر في مرحلة الليبرالية الحديثة – رؤية ماركسية ) بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب، دعا إليها مجموعة من مثقفي حلب.

و قد ألقى المداخلة الرئيسية فيها الرفيق خالد الحريري، عضو اللجنة المركزية للحزب، فأسس لها توصيفاً: (بدأت مرحلة جديدة في تطور النظام الإمبريالي العالمي عشية سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي مرحلة الإمبريالية المعولمة التي تتميز بصعود الشركات العملاقة العابرة للقارات، وقد أدى ذلك إلى ظاهرتين: الأولى هي التمركز التدريجي للرأسمال، والثانية تحول الرأسمال المنتج إلى رأسمال ريعي تجاري، الظاهرة الأولى أدت إلى ازدياد الفقر في العالم، والثانية أدت إلى أزمة مالية مستحكمة نتيجة تعاظم الرأسمال الريعي غير المنتج على حساب الرأسمال الموظف في العملية الإنتاجية، وفصل هذا الرأسمال عن آليات الربح في البورصات العالمية، أدى ذلك إلى نقص في السيولة لم تعوضه كميات الدولار الهائلة التي ضخت في النظام المالي العالمي.

كان لابد من إيجاد حل! فكان كما اعتاد النظام الرأسمالي العالمي دائماً أن يفعل: شن الحروب وتأمين المواد الأولية والطاقة الرخيصة وتدوير مصانعه الحربية، فكانت الحرب على الإرهاب).

و تابع توصيف النظام الإمبريالي العالمي المعاصر بأنه: (يتألف من الدول الرأسمالية ومؤسساتها المعولمة، إضافة إلى الشركات العملاقة التي تعاظمت وقوي نفوذها حتى أصبحت قادرة على فرض السياسات، التي تؤمن مصالحها عبر لوبياتها المنتشرة داخل مؤسسات النظام وعبر المال السياسي والإعلام، والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أقوى هذه الدول هي مركز النظام، لكنها بعد صعود الشركات أصبحت تنفذ سياسات هذه الشركات هي وبقية الدول الرأسمالية، والحرب التي أطلقتها على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول كانت للسيطرة على منابع وطرق إمداد الطاقة بتأثير ودفع من شركات النفط العملاقة.

ذلك أن النظام الإمبريالي المعولم أنجز بعد انهيار الإتحاد السوفييتي خطوتين هامتين على طريق العولمة الإمبريالية، الأولى هي عولمة الإنتاج، أي إنتاج أجزاء من السلعة في أكثر من بلد ثم تجميعها في مركز واحد قبل النزول إلى السوق، والثانية كانت عولمة النظام المصرفي العالمي ونظام الاستثمار (سوق الأسهم). وساعد في ذلك التقدم غير المسبوق في الحواسب ونظام الاتصالات في العالم، مما أتاح للنظام فرض هيمنته على التحويلات والإيداعات المالية التي ساعدته في حربه وحصاره لدول الأطراف المستهدفة، وبقيت خطوة هامة لاستكمال العولمة الإمبريالية على العالم وهي السيطرة على منابع الطاقة وطرق إمدادها). ووضح: (يحكم تطور هذا النظام نزعتان متكاملتان: الأولى ذكرناها وهي نزعة تمركز الرأسمال، والثانية سنسميها النزعة التفكيكية، وتسير العمليتان معاً).

فتمركز رأس المال يعني انسحابه التدريجي من الأطراف باتجاه المركز مما يعني أن ريف العالم آخذ بالاتساع، وهنا لا نعني بريف العالم المساحة الجغرافية لدول الأطراف المهمشة فقط، فريف العالم يمتد ليشمل القسم المفقر المهمش من شعوب الدول الرأسمالية أيضاً، ومع اتساع ريف العالم سينضم إليه المزيد من الشعوب والدول المتضررة من النظام الإمبريالي العالمي، وهذا ينطبق حتى على بعض الدول الحليفة للنظام.

و في معرض إجابته عن سؤال: ذكرت في مداخلتك أن الحكومة السورية رفضت طلب قطر مدّ خط غاز عبر أراضيها ليلتقي بخط نابوكو المخطط له أمريكياً بمشاركة صهيونية.. فلماذا رُفض طلب قطر؟

شرح المحاضر باستفاضة (أن سورية نتيجة عدائها للمشاريع الأميركية في المنطقة وعدم ثقتها بها كانت قد ارتبطت بمشروع بديل عن خط نابوكو هو مشروع الغاز الروسي الإيراني، فروسيا لم تكن غافلة عما يخطط له النظام الإمبريالي العالمي لعزلها عن أوربا وحصارها، فما إن استفاقت من اضطراباتها الداخلية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حتى أنشأ بوتين عام 1995 شركة (غاز بروم) العملاقة التي أعاد فيها سيطرة الدولة الروسية على أهم وارداتها من النفط والغاز، وفي عام 1996 قررت الشركة بمشاركة شركة ألمانية إنشاء خطين كبيرين لنقل الغاز من روسيا إلى أوربا هما السيل الشمالي والسيل الجنوبي، وقد أنشئ السيل الشمالي من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة دون مشاكل لعدم وجود دول معيقة على الطريق، وقد بدأ الضخ فيه في 7/11/،2011 أما الجنوبي الذي كان يفترض أن يمر عبر البحر الأسود إلى تركيا فبلغاريا فبولونيا ثم إلى النمسا ليتوزع في أنحاء أوربا، فقد ضغطت أميركا على دول العبور لرفض مرور الخط الروسي منها، وهكذا توقف المشروع.

روسيا بالمقابل عملت على إعاقة العمل بخط نابوكو فاشترت غاز تركمانستان وأذربيجان لعشرين سنة قادمة، وأثارت مشكلة قانونية حول استثمار الغاز في بحر قزوين، وبذلك جمّدت الاستثمارات فيه لفترة من الزمن، وهكذا حرمت خط نابوكو من مصادر الغاز المناسبة التي تجعل إنشاءه مجدياً.

كما أنها دعمت إيران في عدائها لأمريكا الذي تصاعد بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، ودعمت مشروعها النووي إذ جرى الاتفاق عام 1996 على تشغيل محطة بوشهر النووية لإنتاج الطاقة النظيفة، وفي 12/9/2011 أعلنت روسيا رسمياً عن دعمها للمشروع النووي الإيراني، كما دعمت إنشاء خط للغاز من إيران عبر العراق وصولاً إلى سورية فالمتوسط فأوربا، والذي وقعته الحكومتان الإيرانية والسورية في تموز ،2011 كما دعمت خط غاز بدأت إيران بإنشائه يمتد شرقاً إلى باكستان والهند وصولاً إلى الصين، ثم اتفقت الدولتان في آب 2015 على التدخل الروسي الإيراني في سورية بناءً على طلب من الحكومة السورية، وبعدها ذلك بشهر أي في أيلول 2015 وقعت الحكومتان مذكرة تفاهم اقتصادية بـ 74 مليار دولار لتبادل عقود النفط والغاز والتشاور لإنشاء مصرف لتمويل مشاريع النفط والغاز المشتركة، وفي 30/9/2015 بدأ التدخل الروسي في سورية).

أعقب ذلك نقاش جاد و حار تنوعت فيه الآراء المطروحة حول الموضوع. أدار الحوار في الندوة الرفيق هيثم الشعار.

العدد 1107 - 22/5/2024