رغيف الخبز في طرطوس… بين النوعية والوزن

لا أعلم من أين نبدأ في هذا الريبورتاج الذي نسلط فيه الضوء على واقع الرغيف في محافظة طرطوس.. فبالرغم مما قلناه سابقاً ومن خلال أكثر من مقالة وريبورتاج تحدثنا سابقاً عن معاناة المواطن الطرطوسي خصوصاً خلال سنوات الأزمة، ولكن على ما يبدو فإن بعض المعنيين في المحافظة مازالوا يصرّون على الاستمرار في تعنّتهم لجهة المراقبة الدقيقة والمتابعة اليومية.

وإذا كانت الأزمة قد أفرزت ما أفرزت من متسلقين ووصوليين ممن ارتضوا التلاعب بقوت المواطن والإثراء على حساب لقمة الخبز، فإن من واجب الجهات المعنية أن تضع حداً لهؤلاء من خلال التطبيق الصارم للقوانين والأنظمة، ومن خلال الإشراف المباشر على عمل الأفران، وليس من خلال الانتظار حتى يتقدّم المواطن بشكوى.

المواطن الذي فَقَدَ على ما يبدو الثقة بجديّة الجهات المعنية والرقابية في كبح جماح الجشع والطمع لهؤلاء، لم يعد يجد سوى الصمت والدعاء والابتهال إلى الله، أن يستبدل هذا الواقع بحال أفضل (طبعاً هذا الكلام من خلال ما سمعناه من عدد كبير من المواطنين الذي سألناهم عن سبب عدم تقديم شكاوي للتموين).

التقينا عدداً كبيراً من المواطنين الذين يستجرون مادة الخبز من الأفران العامة ومن الأفران الخاصة، وكانت الإجابات تجمع على أن نوعية الخبز في الأفران العامة غير جيدة، في حين أن الوزن يقترب من الوزن النظامي.. أما الأفران الخاصة فنوعية الخبز جيدة، أما الوزن فهناك نقص في الوزن يصل في بعض الأفران إلى 500غ.. فتعالوا معنا واحكموا بأنفسكم:

في منطقة الدريكيش هناك تسعة أفران خاصة، وفرن عام، تقدر الكمية التي ينتجها الفرن العام بنحو 24 طن يومياً، في حين تتذبذب الكمية التي تنتجها الأفران الخاصة بين فرن وآخر، ولهذا التذبذب أسباب خاصة تفوح من معظمها رائحة الفساد ومخالفة التعليمات والقوانين والأنظمة:

السيد احمد محمود من الدريكيش يقول: لا أعلم إلى متى سنبقى نعاني من واقع الرغيف.. ففي الأفران الخاصة نوعية الرغيف جيدة، في حين هناك نقص في وزن الربطة.. لا يلتزمون بالوزن، والربطة لا تزيد عن 1100 غرام، وكما نعلم فهناك نقص يقدر بنحو 300 غرام.. الربطة تحوي عدداً من الأرغفة، والمواطن عليه أن يحملها دون التفكير في الاحتجاج على وزنها.

السيدة أم سلمان من الجباب تحدثت عن الوزن غير النظامي لربطة الخبز، فهي بالكاد تصل إلى كيلو غرام.. أنا كأم لستة أولاد مضطرة لشراء ربطتي خبز كل يوم، في كل ربطة هناك نقص نحو نصف كيلو، أي أنني أخسر ربطة كل يوم، يذهب ثمنها إلى جيب صاحب الفرن، ولو كانت هناك مراقبة للوزن من المعنيين والتموين لتغير الحال.

في قرية بحيصيص تحدث السيد علي عن نقص في عدد ربطات الخبز التي تصل للقرية من فرن كرفس، وأضاف: إذا كان الفرن قد تمت مخالفته بسبب نقص الوزن، فما هو ذنب الأهالي كي يدفعوا ثمن ذلك؟ لماذا لا يكون هناك تدرّج في العقوبة المادية ولتصل إلى مئة ألف ليرة سورية؟! الغرامات التي يدفعها هؤلاء يستردونها من جيوب المواطنين خلال أيام قليلة.

وأمام الفرن العام في الدريكيش كان الازدحام على أشده، واستطعنا أن نلتقي مع عدد من الأهالي الذين عبروا عن امتعاضهم من نوعية الرغيف والرائحة أحياناً.

السيدة صبا قالت إنها مجبرة على شراء الخبز من الفرن العام، لأنها إن قصدت الفرن الخاص فهي بحاجة إلى تكسي للذهاب والإياب.. نوعية الخبز في الفرن الخاص أفضل من الفرن العام ولا أعلم ما هو السبب.. نتمنى من المعنيين في التموين وحماية المستهلك القيام بدوريات مفاجئة يومية، لاسيما أن الفرن لا يبعد عن شعبة التموين أكثر من كيلو متر واحد.

الأستاذ رجب (مدير مدرسة) تحدث عن عدم رضاه عن نوعية الخبز في الفرن العام، وقال: الخبز سيئ قولاً واحداً، وأنا أجد نفسي مرغماً على شراء الخبز من الفرن الخاص، مع معرفتي بأنه يسرقني في كل ربطة.. لمن سنشتكي في هذا الزمن وهذه المحنة؟ الجميع يتحدث عن الأزمة، وأنا أرى أن البعض يستثمرها بشكل وقح.

السيد حيدر حيدر، مدير الفرن الآلي بالدريكيش، تحدث عن جملة من المنغصات التي تتسبب في وصول الرغيف للمواطن بالحال التي يتحدث البعض عنها، فقال إن الفرن يقوم بإنتاج نحو 24 طن يومياً، وبسبب الظروف الراهنة والاكتظاظ في مدينة الدريكيش بسبب الإخوة الوافدين، وعدم قبول المعتمدين لاستلام الخبز بشكل مباشر، وكما يعلم الجميع فالخبز مادة لا يمكن تكديسها لوقت طويل.. حاولنا مع الجهات الحزبية في القرى ولدى المعتمدين لقيامنا بتزويدهم بالخبز تزويداً مباشراً، ولكنهم رفضوا ذلك. وفي رده على سؤال بخصوص رائحة الرغيف أحياناً أكد حيدر بأن الخميرة هي السبب في ذلك، وأضاف بأنه احياناً يتم إنتاج الخميرة من العجين المنتج في الفرن بسبب تخريب معامل الخميرة من قبل العصابات المسلحة.

وطالما أننا في الفرن الآلي بالدريكيش، فلا بد من الإشارة إلى وجود محرك ديزل عمره نحو ربع قرن لم يتم الكشف عليه من قبل ورشات الصيانة في الشركة سوى مرات نادرة والمحرك بحال سيئة، فهل يتم استبداله؟!

إبراهيم (موظف) تحدث عن عدم وجود لائحة تحدد ساعات العمل للأفران الخاصة والكمية التي من الواجب إنتاجها، وأضاف: بعض الأفران تنتج نصف القيمة، وتبيع ما تبقى من طحين ومازوت بشكل حر.. تخيل معي أن الدولة تقدم لهذه الأفران المازوت بـ7 ليرات، وكيس الطحين بنحو 700 ليرة، في حين أن سعر المازوت بكل طرطوس من خارج الكازية يتراوح بين 100 و115 ليرة، وسعر كيس الطحين للتنانير تتراوح بين 2000- 2500 ليرة، وبطبيعة الحال صاحب الفرن سيوفر ثمن أكياس النايلون أيضاً.. نوعية الرغيف بالفرن الخاص أفضل بقليل من الفرن العام، ولكن هناك فرق في الوزن بحدود 300 غرام.

حملنا جملة الهموم والمشاهدات التي لا يمكننا أن نذكرها بالتفصيل كما ذكرها أصحابها، وقصدنا الأستاذ علي مصطفى، مدير فرع المخابز الآلية بطرطوس، ليحدثنا عن ردّه على كل هذه الهموم والتساؤلات فقال:

في محافظة طرطوس ثمانية أفران عامة موزعة بين طرطوس المحافظة والمناطق التابعة لها، وبالنسبة للرغيف فهو جيد في معظم الأحيان بالرغم من كل ما يعترض عملنا، سواء ما يتعلق بنوعية الطحين وحرارة الصيف أيضاً، وكلنا نعلم كيف يتم تأمين الطحين أو تلك الأسباب المتعلقة بالخميرة التي نقوم في بعض الأحيان بتجهيزها في الفرن بسبب صعوبة الحصول عليها من معامل الخميرة التي دمرها الإرهابيون، وهذا هو السبب في ظهور رائحة غريبة نوعاً ما لم يعتد عليها المواطن في طرطوس.. الآن الوضع أفضل قليلاً بخصوص الخميرة، ولكن نتمنى لو يتم تسجيل تاريخ الإنتاج عليها، كما نتمنى أن يقوم مخبر التموين وحماية المستهلك بسحب عينات وإجراء تحليل لها.. وبالطبع الأفران الخاصة تعاني من وضع الخميرة أيضاً.. من المعيب أن يكون المعمل الذي ينتج الخميرة هو الذي يقوم بتحليلها.. تحليل الخميرة في مخابر التموين تكلّفنا نحو ثمانية آلاف ليرة فتخيّل! هناك أمر آخر أود الحديث عنه وهو انعكاس أزمة المازوت سلباً على إيصال الرغيف إلى القرى والبلدات البعيدة، فنحن لا نملك أسطول سيارات بل نتعاقد مع سيارات عامة تقوم بتوزيع الخبز على القرى والمناطق وأصحاب تلك السيارات لا يحصلون على المازوت المخصص إلا بشق الأنفس..كنا نتمنى لو وافق أصحاب القرار بالمحافظة والمعتمدين على شحن الخبز فور إنتاجه وتوزيعه، لأن تكديسه حتى صباح اليوم الثاني يؤثر على نوعيته وجودته.. لدينا عمال مياومون عقود لثلاثة أشهر، وهي مدة قصيرة، أعتقد أننا سنتجاوز هذا من خلال تعيين من اجتازوا فحص القبول الذي أجريناه سابقاً.. واختتم كلامه بالقول: نتمنى على المواطن تقديم شكوى للجهات التموينية لمعالجة أي خلل.

قصدنا مديرية التموين، والتقينا الأستاذ عاطف أحمد، مدير التموين وحماية المستهلك بطرطوس، لنسأله عن الخلل بالوزن بالنسبة للأفران الخاصة، فقال: هناك أكثر من 250 ضبط تمويني خلال هذا العام، ونحن نعلم أن هناك خللاً في الوزن بالنسبة للأفران الخاصة، ولكن المواطن لا يأخذ دوره بالشكل المطلوب ويقوم بإبلاغنا عن كل مخالفة.

يضيف الأستاذ عاطف أن ما يوجع أصحاب الأفران المخالفة هو الإغلاقات، ولكننا في هذه المرحلة لا نلجأ للإغلاق كي لا نراكم المشكلة وبالتالي نعاقب المواطن.. المخالفات تحال للقضاء، وهو صاحب القرار في البت بالأمر، وكنا نتمنى لو بقي الموضوع من اختصاص القضاء العسكري لأنه أسرع.. قانون حماية المستهلك رقم 2 يشدّد على التدرّج بالعقوبات، ولكن المدة الطويلة للمقاضاة تؤثر على ذلك.

أخيراً: مهما تكن الأسباب فإن المواطن لا تعنيه كل هذه التبريرات وكل هذه الأسباب، لأن ما يهمّه بعد قضاء نهار متعب جسدياً ونفسياً، هو هذه اللقمة، وهذا الرغيف، فهل من آذان راغبة في إصلاح ما يمكن إصلاحه من حال الرغيف والاستجابة لكل هذه الصرخات وكل هذه الشكاوي؟! هذا ما نتمناه ويتمناه كل مواطن في طرطوس، بات الحصول على الرغيف الجيد يشكل همّه اليومي، في وقت أصبح هذا الرغيف يشكل الوجبة الأساسية للكثير من العائلات!

العدد 1107 - 22/5/2024