أبجدية

تعالي.. فُكّي أيقونَتكِ وأبعدي عن موطنِ قَهري ريشات جرحٍ ينزف!

فتّقي عُرى قَمَرينِ، وازرعيني بين شَفَقِهِما قَصْفَةَ حَبَقْ، يطيب ليَ بينَهُما المُقامُ!

أغيبُ لحظةً تَسْتغرقُني الدهرَ، ولا تَكفُّ عنابرُ الشوقِ عن تكديس فُتاتي في صناديقَ من زُجاجْ.

هل تذكرين!؟

يومَذاك.. ليلَتَئذ.. حينَ غطَّ القمرُ هنيهةَ بينَ غيمتين جاءتا من رجاءِ جموحي، وأطبقتا عليهِ وعليّ صمتَ العتمة.

ليلَتَها.. في ذلكَ الرُكنِ الذي صَيّرناهُ جَنتنا، وبنينا عُشّنا على نافذَتِهْ قشّة.. قشّة حتى وارفَ.

في تلكَ اللحظةِ الغائبةِ عن حسِّ الزمن.. أرجفتني لمسة، تَسلّلَتْ أصابعي بينَ عرواتِ قميصٍ من ورد، سَمعْتُ تَفتّحَ البراعمْ، وألفُ تَنهيدةٍ تَستصرِخُني، وما أشفَقْت.!

 تتألمين يا عمري..

لم تُجيبي، كنتِ مثلي في رَعْشةِ الغيابِ تلكْ، كنّا معاً نتسلقُ المسافات على شجرةَ الياسمين.

هل تذكُرينها..؟

يومَ زَرعناها بنبضاتنا، ورجفاتنا، قُلنا..

 يَوماً سَتظلِلُ بابَ دارِنا

كم مرّة روَتْها دُموعكِ فأشرقتِ امتداداً حتى ألقتْ عنبر مِسْكِها بينَ سيقانِ من عَبَروا حلكةَ العتمةْ

وتَسلّقوا سدّةَ النورْ.

هلّ تذكُرين؟

يومَ زَحَفْنا، غافَلْنا العيونَ المكدودةَ وعبرنا حديقةَ النيروز، ليلتئذ، عَرفْتُ منكِ، منكِ أبجدية الأنثى.

فجأةً انكشفَ القمرْ، لم أرَ وجهكِ، جديلتانِ مجنونتانِ تتَعلقانِ على حدِّ دمعتين.

يا عمري، هلّ تذكرين نورُ الشمعةِ التي أسميناها بنفسجة؟!

لحظةَ انكشفَ بيننا القمرْ انطفأتِ الشمعةْ.. وأشرَقتِ البَنفسجة.

ليلتَئذ.. كنتِ تَسقطين في روحي صُعوداً، تَمَسَكْتِ بي، وتَمَسكتُ بكِ، زرعتكِ مرةَ أخرى في دفقِ دمي.

ليلَتئذ، كانت بحورُ قهرٍ آدميةٍ تَتسربُ منّا، أطفالٌ يبكونْ، وحجارةٌ تُفلتُ من مكامِنِها.

ليلتئذ.. ما فارقْنا الحبُّ لحظةْ، وما فارَقَتنا الدمعةُ لحظةْ، وما فارَقَتنا الرعشةُ لحظةْ، عاشَت جميعاً رفّةَ عهدٍ بيننا، مَهَرْتُهُ بأولِ حرفٍ من اسمكِ.

قلتُ لكِ:

 أنتِ زيتونة يا عمري.

قلتِ:

 بل أنتَ الزيتونةُ يا عمري وأنا الأرض.

تُربَتي تُنبِتُ ألفَ زيتونةِ، كلّما طالَ اليباسُ واحدةً أدفِنُها على وقعِ زُغرودة، وأستَنْبِتُ ألفاً غَيرها.

ليلَتئذ يا عمري عَرفتكِ أنثى.

أول أنثى تَشهقُ بَكارَتَها بوحاً بين شَفتيّ، تَعِدُني بأنْ لو أخذَني طوفانُ الدمْ تحملينَ أثري أيقونة، وتنجبينَ مع كلِّ صرخةِ صباح بُرعمَ زيتونةٍ جديد.

وأبقى أحبكِ.

العدد 1107 - 22/5/2024