مساع روسية حثيثة للحوار السوري السوري.. وقف دعم الإرهابيين شرط أساسي لإنجاح الحوار

تتكثف الاتصالات لإنجاح المساعي الروسية الخاصة بعقد الحوار السوري – السوري بوصفه مدخلاً لإنهاء الأزمة التي أدخلت البلاد في نفق العنف والإرهاب والمعاناة المعيشية، وقلبت حياة السوريين رأساً على عقب.

صحيح أن إعادة تحريك ملف الحوار بين السوريين يجري اليوم بالاستناد إلى المبادرة الروسية، لكن الصحيح أيضاً أن مسؤولية تجميد هذا الملف تقع على الطرف الأمريكي وحلفائه الذين أفشلوا جميع الجهود التي بذلت سابقاً لإنجاح حوار السوريين عندما فتحوا ترسانتهم العسكرية و(حنفيات) خزائنهم المالية لدعم من أسموهم (المعارضين)، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى منظمات إرهابية تكفيرية، تستقدم (المجاهدين) من كل أصقاع الأرض بهدف إنجاح المخطط الأمريكي الصهيوني الهادف إلى (شرق أوسط جديد) يحقق استمرار هيمنة الإمبريالية الأمريكية على المنطقة المتفاحية في قلب العالم القديم.

وفي كل مرة كانت تُطرح فيها اقتراحات ومبادرات لحل سلمي للأزمة السورية كان السلوك الأمريكي المناور يذهب باتجاه آخر تماماً، فيضع الشروط التعجيزية، ويحاول التدخل في صلب قرار الشعب السوري باختيار نظامه السياسي وقادته ومستقبل توجهه السياسي والاقتصادي.

ما الذي يجعل حوار السوريين اليوم أقرب إلى النجاح أكثر من أي وقت مضى؟

1- لقد تبين لجميع فئات الشعب السوري ومكوناته السياسية والاجتماعية، ودون أي مجال للشك، أن هناك فرقاً شاسعاً بين المعارضة كمفهوم سياسي، وبين الإرهاب كسلوك إجرامي مدان من المجتمعات الإنسانية.

2- أثبتت الوقائع وتثبت كلّ يوم، أن التوجه نحو التغيير السياسي والاجتماعي في سورية لن يكون عبر الإرهاب وحرق المدن والمنشآت وقتل المواطنين السوريين من مدنيين وعسكريين، بل عبر سلوك سياسي ونضال مشروع تساهم فيه جميع القوى السياسية الساعية إلى هذا التغيير.

3- لقد ظهر جلياً سقوط أقنعة (المعارضة) عن وجوه (النخب) الخارجية، التي ادّعت تمثيل إرادة السوريين، إذ تحول هؤلاء إلى مرتزقة يستغلون نزيف الدم السوري لزيادة أرصدتهم المالية وتقديم طاعتهم لحكام النفط وتركيا الأردوغانية والكيان الصهيوني بشكل فاضح، وهذا ما حوّلهم من ورقة بيد الأمريكيين في عملية الحوار إلى عبء عليهم. فبدأ هؤلاء تصنيع (معارضة) جديدة يستخدمونها في سعيهم المستمر من أجل تقويض أي حل سياسي للأزمة السورية.

4- إعلان الحكومة السورية موافقتها على المساعي الروسية لعقد حوار السوريين.

5- إعلان المعارضين السياسيين في الداخل عدم ممانعتهم للجهود الروسية.

لكن عقد هذا الحوار الهادف إلى إنهاء الأزمة السورية ونجاحه يتطلب موقفاً واضحاً من الجانب الأمريكي وحلفائه، ويتطلب بالدرجة الأولى وقف الدعم اللامحدود للمجموعات الإرهابية، والتنسيق مع الحكومة السورية للقضاء على تكفيريي (داعش) و(النصرة) وشركائهم.

صحيح أن مؤشرات عدة تدلل على مواقف دولية أكثر إيجابية تجاه المساعي الروسية، فالأمريكيون لم يوافقوا حتى اليوم على إقامة المنطقة العازلة وفق ما يريده الأتراك، وهولاند أيّد التحرك الروسي باتجاه عقد الحوار السوري، ودي ميستورا وبوغدانوف يتحركان لتهيئة مناخ التسوية والحوار.

لكن هذه المؤشرات غير كافية حتى الآن لإنجاح هذه المساعي، بدليل الاعتداء الصهيوني الأخير على سورية منذ أيام، الذي هدف إلى صبّ الماء في طاحونة الإرهابيين وعرقلة أي حل سياسية لأزمة السوريين.

إن المساعي الروسية، ومواقف بعض الدول الأوربية المشجعة، والضربات التي يوجهها الجيش السوري للإرهابيين في عدد من المناطق، رفعت منسوب التفاؤل لدى أبناء الشعب السوري بنهاية سلمية لأزمتهم التي أطاحت باستقرارهم، وتهدد بتهديم دولتهم وانسجام مكوناتهم الاجتماعية والدينية.

وتعزز تفاؤل السوريين وتقويه -حسب اعتقادنا- حزمة من الإجراءات في الداخل تهيئ لإنجاح الحوار، كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

التفاؤل مبَّرر، والحذر من محاولات التصعيد والمناورة مبّرر أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024