نوبل والبوصلة المعطوبة!

 أثار منح المغني الأمريكي بوب ديلان جائزةَ نوبل للآداب جدلاً واسعاً عدا كونه مفاجأة وسابقة يصعب فهمها أو استساغتها، إذا نظرنا إلى هذه الجائزة من منظور إنساني شامل. وبطبيعة الحال يملك الـ 18 عضواً في الأكاديمية السويدية الحق في اختيار من يشاؤون، وبالدرجة نفسها يملك الآخرون الحق أيضاً في الاعتراض، إذا لم يقنعهم هذا الاختيار، وبضمن ذلك الأناس العاديون الذين يحلمون بمجتمع إنساني عادل يعلي القيم المشتركة والثقافة المشتركة، ما يجعلهم يصابون بخيبة وهم يرون أهم جائزة في مجال الأدب تذهب إلى ممثل لنمط موسيقي وغنائي محدود بالنسبة لـ(السمفونية) البشرية بشكل عام.

ومع ذلك قالت سارة دانيوس، الأمينة العامة الدائمة للأكاديمية السويدية عن ديلان إنه: (خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن التراث الغنائي الأمريكي العظيم)، مضيفة أن تأثير هذا الفنان الذي وصفته بأنه (أيقونة) على الموسيقا العصرية عميق جداً). وقالت لجنة الجائزة في دواعي قرارها عن ألبوماته الغنائية إنها: (تتمحور حول مواضيع مثل الظروف الاجتماعية للإنسان والدين والسياسة والحب).

واستطردت اللجنة تعدد مناقب هذا الفنان الأمريكي، فأعماله الغنائية (جرى نشرها بشكل مستمر في إصدارات جديدة)، وقد نشر إضافة إلى ذلك (أعمالاً تجريبية مثل تارانتولا (1971) ومجموعة الكتابات والرسوم (1973))، إضافة إلى السيرة الذاتية بعنوان مذكرات (2004)، الذي يصور ذكريات من حياته المبكرة في نيويورك والذي يعرض لمحات من حياته في مركز الثقافة الشعبية).

وتابعت قائلة عنه إنه (كفنان، يعتبر متنوعاً بشكل مذهل: فقد كان نشطاً كرسام، وممثلاً وكاتب سيناريو. ديلان له مرتبة الرمز. تأثيره على الموسيقا المعاصرة نافذ، وهو موضوع تيار مستمر من الأدب الثانوي). وبطبيعة الحال لا شك أن الرجل مبدع كبير ولكن كل ما قيل عنه، لا يجيب عن سؤال يتيم وتساؤلات لا حد لها، بماذا استحق هذا المغني بالذات كي يتوج على آداب العالم مقارنة حتى بنظرائه؟ وهل توجد قيمة إنسانية وفنية متميزة وفريدة في هذا الاختيار، حتى تقفز الجائزة فوق العشرات بل والمئات من الروائيين والفنانين الكبار في العالم؟

هل يمكن أن تكون كل الخيارات قد استنفدت، حتى تذهب جائزة الآداب إلى مطرب وموسيقي لمجرد امتلاكه لمواهب متعددة؟ ألا يعد النص الغنائي محكوماً بقالب ضيق، فلماذا نتوّج الجزئي ونتجاهل الكلي؟

لقد اجتهد القوم، وقد يكون الصواب خانهم، إلا أن المسألة تبدو أكبر من مجرد اختيار، إذا ربطنا هذا التتويج بغيره. وعلى سبيل المثال فقد منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام عام 2009 وهو في السنة الأولى من توليه منصبه، لمجرد أنه أغدق الكثير من الوعود. وقالت اللجنة حينذاك إنه توج على (مجهوداته في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب)، فكيف تسنى له أن يفعل ذلك في غضون تسعة أشهر؟

كان يمكن أن تتحول هذه الجائزة في مختلف مجالاتها، وهي الأرفع في العالم بلا شك، إلى مشعل يضيء أرجاء كوكبنا ويربط أممه وأطيافه وثقافاته، ويظهر الأفضل والأنقى والأكثر إبداعاً من بين ما يمور داخل النسغ الإنساني الهادر، إلا أن هذا الهدف لم تتمكن الجائزة من تحقيقه في أكثر من اختبار.

عن «روسيا اليوم»

العدد 1105 - 01/5/2024