قطع الأعناق.. ولا قطع الأرزاق

لطالما افترضنا وجوب عدم التدخل في بعض الأمور.. ليس لاعتبارنا إياها مغالطات اجتماعية فحسب، بل ولاعتبارات أخرى إنسانية وأخلاقية وما إلى ذلك من مُسميات نُطلقها، على أعمالنا غير المشروعة لإسباغ الشرعية عليها، ومن دون حِسبان للنتائج الكارثية المستقبلية.. لنرجع فيما بعد ونقع في شر افتراضاتنا اللامنطقية.

وعلى الأغلب يكون الصمت أو عدم التدخل من باب المسايرة الاجتماعية، إن لم نقل الجبن.. وفي ذلك تغليب للمصلحة الخاصة على العامة. فإذا ذهب أحدنا إلى السوبرماركت، ورأى بأم عينه ما رأى من غلاء فاحش، أو بالأحرى فساد في بعض المواد – لأننا لا نستطيع التدخل في الأسعار في ظل الاقتصاد الحر (المُبجّل) – يقول: (لتأت مضرة البائع من غيري). ومن دون التفكير حتى بتوجيه ملاحظة لذلك البائع. أما إذا طُلِبَ منا دفع أجرة مضاعفة من صاحب السرفيس، يدفع الجميع على أن يقوم أحد الركاب مستقبلاً بالشكوى، فليس بالضرورة أن يكون هو في الواجهة. وفي محطة الوقود، في حال وجدنا مُبتغانا؛ أي لم يُبَع الصهريج قبل وصوله، نقوم بشراء البنزين المغشوش غالباً مع دفع المبلغ المطلوب فوق السعر المحدد.

في جميع هذه المواقف، وغيرها، التي لم تَعد تُحصى، نقول: (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق). لنكون بذلك لا مشاركين بالفساد فحسب، بل الفاسدين الحقيقيين. كل ما سبق ذكره – مع صعوبته – يُمكن تلافيه أو إصلاحه. أما تعيين مدرسين للرياضيات مثلاً، أو في أي مادة أخرى، وأخص هنا المدرسين الوكلاء أو المكلفين تحديداً، ومن دون معرفة مسبقة بكفاءة ذلك المدرس، فهو خطأ فادح. والخطأ الأكبر إن لم نقل الجريمة الكبرى، هي معرفة المدرس وقدراته وحضور دروس له من قبل الإدارة، فيرى المدير أخطاء بعض المدرسين التي لا تغتفر، وهذا ما لا يقبله لا عقل ولا منطق. فهل من المعقول أن يُخطئ مدرس لمادة الرياضيات في حل المسائل، ومن ثم يصلح له الطلاب أخطاءه، لا بل ويكابر على الخطأ ولا يعترف به. ناهيك عن الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها في عمليات الضرب والقسمة والجمع والطرح، وعلى مرأى الإدارة. والسكوت عن كل ذلك على أمل تطوير المدرس نفسه وتحضيره للدروس كفرصة له. أي أن نجعل من الطلاب حقل تجارب لذلك المدرس الميؤوس منه سلفاً.

العدد 1107 - 22/5/2024