التضخم الجامح وتعويم العملة

ثلاث مهمات يتوجب على الإدارة الاقتصادية العمل على تحقيقها في أي اقتصاد وهي:

1- العمالة الكاملة.

2- ثبات مستوى الأسعار.

3- توازن الواردات والصادرات.

فأين هي السياسة الاقتصادية في قطرنا من هذه المهمات الثلاث؟

 وصلت البطالة إلى أكثر من 50% من القادرين على العمل عام ،2010 وكان السبب الرئيسي لذلك هو اعتماد (اقتصاد السوق)، نموذج القرن التاسع عشر وليس القرن ال ،21 قبل ذلك ب 5 سنوات، كانت كافية لتدمر البنية الاقتصادية والاجتماعية، لأنها بدأت شيئاً فشيئاً تلغي مجانية التعليم ومجانية الصحة، وعاد القطاع الخاص ليشارك في القطاع التعليمي الجامعي خاصة برسوم تسجيل فاحشة، وارتبط ذلك بتدني المستوى التعليمي.كانت الخصخصة قد بدأت قبل ذلك، لكنها تسارعت وارتبطت، كما في كل البلدان التي استشرت فيها، بتفاقم هيمنة رأس المال ورموز الفساد على الموارد الاقتصادية على حساب الطبقة العاملة. (جففت تلك السياسة الاقتصادية إيرادات الخزينة، فتم تخفيض العبء الضريبي على الأرباح وتم تجميد القطاع العام، الذي كان يرفد الخزينة بضرائب الأرباح وأرباحه وفائض السيولة. تفاقمت مشكلة التشغيل والسكن وجمدت الأجور، تحت ذريعة ترك هذه المهمات للقطاع الخاص ووقف القطاع العام (متفرجاً) مشلولاً عن العمل. راح القطاع الخاص يهيمن على الاستيراد والتصدير، انطلاقاً من مصالحه الخاصة، دون الأخذ في الاعتبار مصلحة الاقتصاد الوطني. وهو يصدّر حصة كبيرة من الإنتاج الزراعي، وليس الفائض، بقصد تعظيم أرباحه من التصدير ومن الاستيراد مرة ثانية بالعملات الأجنبية التي غنمها من التصدير، دون مراعاة مصلحة الاقتصاد الوطني في اتباع الأفضليات تبعاً للمصلحة العامة. هكذا يفعل الرأسماليون، لكن الإدارة الاقتصادية في الدولة المتطورة تضع ضوابط متغيرة تبعاً لحاجة الاقتصاد الوطني.هذا ما لا تفعله الإدارة الاقتصادية في القطر العربي السوري، مما نجم عن هذا التقصير كوارث اقتصادية.لقد بدأت حرب الاستنزاف منذ مطلع عام ،2011 فأين هو (اقتصاد الحرب)؟ وكيف واجهت السياسة الاقتصادية هذه الحرب؟

 سمح نادي ال 10 من الدول الصناعية الغنية التي تستأثر بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم بتعويم عملاتها شرط ألا يتجاوز تغير أسعارها + – ،4 5% فقط. يتوجب على المصارف المركزية في جميع دول النادي التدخل بيعاً وشراء حتى تحقق هذا الشرط. الصين ثاني اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع في أقل من عقد أن تصبح أول اقتصاد في العالم من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي دون منازع. وقد استمر معدل النمو الاقتصادي فيها نحو10% سنوياً منذ قرابة عقدين، تسمح لسعر صرف الدولار أمام اليوان، أن يرتفع أو ينخفض بمعدل 1% عن السعر المتوسط الذي يحدده المصرف المركزي الصيني يومياً. (المصدر: جريدة الديار- بيروت – تاريخ 14/6/2013)كيف للقطر العربي السوري أن يتمكن من تعويم الليرة السورية دون حدود؟! ومن يتدخل إذا انخفضت قيمة الليرة السورية لصالحه؟ لا أحد بالطبع. بدأ الحصار الاقتصادي الجزئي منذ عام 2005 وكان من المتوقع أن يتوسع ليصبح عاماً، وطرحت فكرة تعويم الليرة السورية آنذاك من قبل البعض، وقد كتبت حول ذلك أحذر من خطر هذا الإجراء. (المصدر: مجلة التواصل – تعويم العملة  العدد 3 نيسان 2006 – التي كانت تصدر عن جمعية العلوم الاقتصادية السورية – دمشق). تحاول الدول الغربية والعدو الأطلسي الذي بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدوله الولايات المتحدة 14 تريليون والاتحاد الأوربي حول ذلك الرقم عام ،2009 أي ما يعادل 48% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي بلغ 58 تريليون دولار، تحاول تخفيض سعر صرف الليرة السورية مقارنة بالدولار واليورو، كجزء من الحرب الاقتصادية، مستخدمة أدوات عديدة، أهمها في الداخل تجار الاستيراد والتصدير والمضاربون على العملة في القطر العربي السوري وسياسات شتى منها الحصار الاقتصادي. و تواجهها السياسة الاقتصادية في القطر العربي السوري بمبارزة خاسرة سلفاً، لأنها تضع أسلحتها جانباً وتترك للأقدار أن تهبها النصر! تقتضي ضرورة الحرب، أن يتم على الفور تثبيت سعر الليرة السورية وتأميم التجارة الخارجية.هكذا تحدد العرض والطلب على الليرة السورية وترشد التصدير والاستيراد. يتم استيراد الضروريات فقط والتوقف عن استيراد الكماليات وفي الوقت نفسه تغيير وجهة التجارة الخارجية شرقاً، متناسين وجود الغرب، كما أعلن مرة وزير خارجية القطر العربي السوري.

يحرز الجيش العربي السوري الانتصار تلو الانتصار على الأعداء ويقدم التضحيات الجسام، لكن السياسة الاقتصادية لا تفعل الشيء نفسه، بل تقاتل مثل (دون كيشوت) ولا تعير علم الاقتصاد أي اعتبار ولا للاقتصاديين العرب السوريين! فاقمت السياسة الاقتصادية الليبرالية – التي اضطر القطر العربي السوري إلى السير فيها كتنازل أمام الضغوط الخارجية – فاقمت المشاكل الاقتصادية، كما ذكر السيد رئيس الجمهورية د.بشار الأسد (المصدر: اتحاد الشيوعيين الأردنيين – الطريق إلى دمشق – جريدة الأخبار – بيروت – تاريخ 10/6/2013 صفحة 8/9). تغيرت الظروف والغرب، الذي تم إرضاء له تبني السياسة الليبرالية، يشن علينا حرباً شعواء! ينبغي التخلي عن هذه السياسة التي فرضها علينا العدو. يقتضي الرشاد الاقتصادي عوضاً عنها اتباع سياسة تنطلق من مفهوم التنمية المستقلة، التي لن يكون استقلالنا ناجزاً دون اتباعها.عندما نتخلى عن تعويم العملة ونثبّت قيمة الليرة السورية وتتولى الدولة التجارة الخارجية، نقضي على أهم أسباب التضخم الجامح ونحافظ على القيمة الشرائية لعملتنا الوطنية.العملة والعمل والعلم، تشترك في الحروف الثلاثة الأولى، ولا تنفصم عراها أحدها عن الآخر. يظل العلم مرفوعاً والعملة مرفوعة بفضل العمل الرشيد الدؤوب.

 لنتخلص من مشاكلنا ينبغي التالي:

1) – تثبيت قيمة الليرة السورية.

 2)- تولي الدولة التجارة الخارجية حصراً.

 3)- إرساء نظام ضريبي جديد يعتمد التصاعد الضريبي على الأرباح مثلما فعلت الدول الرأسمالية في حالة الحرب، إذ وصل التصاعد الضريبي إلى أكثر من 90 % وانخفض بعد الحرب وعاد بعد إنجاز إعادة الإعمار نحو حول 60%.

 4)- يعتبر التهرب الضريبي جريمة كما في جميع الدول المتطورة، تصل عقوبتها إلى الإعدام في حالة الحرب!

 5)- ترفع الميزانية الاستثمارية للدولة لتشكل 70% من إجمالي الإنفاق العام، بقصد إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل.

 6) – يستمر الدعم ولا يجوز بأية حال إلغاؤه أو تخفيضه، خاصة في ظروف حرب الاستنزاف التي دمرت الأخضر واليابس.

 بعد إعادة الإعمار وتحقيق العمالة الكاملة 100% ورفع سوية الأجور لتضاهي مثيلاتها في الدول الصناعية، مما يشكل طلباً قوياً فعالاً متنامياً، يكون أحد محركات التنمية الاقتصادية.

 7)- يحصل العمال على حصة مئوية من الأرباح نحو 25% من أرباح شركات ومؤسسات القطاع العام لخلق حافز قوي للعمل.

 8)- توضع استراتيجية للتنمية الاقتصادية المستقلة، تتضح فيها خريطة الاستثمار ودور كل من القطاع العام والخاص، يتم إخراج القطاع العام من (حبسه)، ليكون رافعة التنمية الاقتصادية.

 9)- يتم إخراج القطاع العام من (القمقم) وإصلاحه وتزويده برأسمال ضخم ليفتح جبهات عمل واسعة تطول شتى مجالات العمل، من صناعة ونقل وتشييد وتعليم إلخ.

10)- يُشجّع القطاع السلعي الخاص من زراعة وصناعة تحويلية بتوفير مجالات عمل له بالتعاون معه القطاع العام.

 11)- تتولى الدولة تجارة الجملة في القطاع الزراعي حصراً.

 12)- تحدد الدولة هامش الربح المتواضع للتجار في تجارة التجزئة.

وتلغي السياسة الخرقاء المدمرة التي تسمح للتاجر أن يضع السعر الذي يراه مناسباً بشكل عشوائي.

 13)- تمتنع الدولة نهائياً عن رفع أسعار منتجات القطاع العام، خاصة حوامل الطاقة كالكهرباء والمازوت وشتى السلع الأخرى والدواء والصحة والتعليم.

 14)- يتم تفعيل المؤسسات الاستهلاكية المدنية والعسكرية ويتم توزيع السلع الإستراتيجية فيها وفي فروعها حصراً.

 15)- استنفار جميع اقتصاديي القطر العربي السوري في ندوات ومحاضرات أسبوعية سواء في المراكز الثقافية أو الجامعات أو الفضائيات وشتى وسائل الإعلام في مناظرات ومناقشات. إنهم جنود ولهم ساحات معاركهم ودورهم في المعركة، لأن أسباب الحراك الاجتماعي العربي اقتصادية في الدرجة الأولى، وسياسية في الدرجة الثانية، وقومية بشكل لا ينفصل عن الأسباب المختلفة من سياسية وعسكرية واقتصادية.

 16)- إن القضاء على التضخم قضية حياة أو موت، لأنه إذا انتشر يدمر الاقتصاد كالطاعون، لا يمكن إيقافه فهو أخطر وباء يمكن أن نصاب به!

 17- القضاء على خطر التضخم الجامح يعزز قدرة وهمة جيشنا البطل وجنودنا البواسل لإحراز النصر.

 

خاتمة

 التضخم الجامح الذي لا يمكن إيقافه يهدد اقتصادنا، وقد دمر اقتصادات دول عديدة في أزمة الكساد العالمي عام ،1929 فلا يجوز أن نستهين به! قد يصل سعر الدولار إلى مئات الليرات السورية، إذا لم نتدارك الأمر بإجراءات رشيدة وحازمة وفورية.ينجم عن التضخم الجامح نهب عنيف لثروات ودخول الطبقة الكادحة، وتدمير لبنية الاقتصاد والمجتمع، ويثري التجار بشكل فاحش ويهرّبون أموالهم إلى مصارف أعدائنا، فكيف نسمح بذلك؟!

العدد 1105 - 01/5/2024