أمعركة وطنية.. أم مناورة دبلوماسية فاشلة؟

من غير المعقول أن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تكن على علم بعدد الأصوات الثمانية فقط المؤيدة لمشروع القرار الذي قدمته إلى مجلس الأمن حول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، قبل التصويت عليه. أما لماذا هرولت متسرعة بشكل مفتعل ومكشوف لإجراء التصويت، قبل ساعات من التغيير الدوري لعدد من الأعضاء غير الدائمين في المجلس بآخرين لصالحنا، ما يضمن، على الأقل، الصوت التاسع المطلوب لنجاحه، فليس لذلك من تفسير إلاّ التبرع المجاني لنجدة الولايات المتحدة وتجنيبها الحرج باستعمال الفيتو.

ومعلوم أن هذه القيادة قبلت بالتوجّه إلى مجلس الأمن تحت ضغط شعبي متصاعد لاتخاذ إجراءات فعلية ضد الاحتلال الذي يصعّد جرائمه ضد شعبنا وأرضنا دون توقف. لكنها بعد طول تلكؤ في الإقدام على هذه الخطوة، تقدّمت بمشروع قرار يستجيب للضغوط الأمريكية – الإسرائيلية أكثر مما يعبّر عن موقف الإجماع الوطني الفلسطيني، بدليل أن جميع القوى الوطنية، وبضمنها صوت (فتح) الحقيقي الذي جاء على لسان مروان البرغوثي من سجنه رفضت بحزم تلك الصيغة الهزيلة التي تهبط بالحقوق الأساسية الفلسطينية دون قرارات الشرعية الدولية في قضايا مفصلية كالقدس واللاجئين والحدود.

ورغم أن قرار مجلس الأمن، في هذا الشأن، يضمن العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، لكنه لا يضمن تصفية الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية مادام غير مدعومٍ بالبند السابع الذي يلزم هذا المجلس بالعمل على تنفيذه؛ لكننا ساهمنا عن وعي في إهدار هذا الإنجاز السياسي الهام الذي يحرج المحتلين وسندهم الأمريكيين ويعزز عزلتهم الدولية؛ ربما رهاناً على جولات جديدة من المفاوضات العبثية بالإشراف الأمريكي المنفرد.

لكن هذا الفشل للقيادة الفلسطينية ودبلوماسيتها لن يفتّ في عزيمة الشعب الفلسطيني ولن يوقف مظاهر التصعيد المتنوّع الأشكال في صراعه مع الاحتلال من جانب، ومن الجانب الآخر تشديد مطالبته وضغطه على هذه القيادة لاتخاذ خطوات فعلية رداً على جرائم الاحتلال من الجهة الأخرى، وفي مقدمتها استعادة الوحدة الوطنية على أسس راسخة ولا كإجراء تكتيكي، ووقف التنسيق الأمني المشين والتوجه بلا تردد للانتساب إلى بقية مؤسسات الأمم المتحدة وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية، لجلب المحتلين الإسرائيليين للمساءلة والعقاب على جرائمهم ضد شعبنا، وقبل كل شيء، التخلي عن الوهم القاتل بالرهان على تحقيق أي إنجاز حقيقي للقضية الوطنية الفلسطينية عبر التحالف الأمريكي – الإسرائيلي.

ومن المؤسف والمحزن معاً أن القيادة الرسمية الفلسطينية لا ترى الهزائم التي تلحق بالسياسة الأمريكية، في المنطقة والعالم، والإرباك الذي راح يميّز هذه السياسة وتقلباتها، في المواقف والقرارات؛ كما لا ترى حالة التفسخ في الطبقة السياسية الإسرائيلية وتزايد عزلة إسرائيل دولياً وافتضاح جرائمها ضد شعبنا؛ وبالمقدار نفسه، لا تقيّم هذه القيادة تقييماً سليماً الانعطاف المتزايد على النطاق الدولي نحو فهم عدالة القضية الفلسطينية وتأييدها.

العدد 1107 - 22/5/2024