كي لا ننسى: راغب كوراني.. المناضل والإنسان

تعرفت إلى الرفيق راغب كوراني في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كنت آنذاك يافعاً، وكان قد تخرج في الجامعة حديثاً (كلية العلوم)، وعُيّن في محافظة طرطوس مدرساً للفيزياء والكيمياء. كان شاباً آنذاك وممتلئاً حماساً، وشيوعياً ملؤه الحيوية والنشاط، يرى في الحزب أداة حقيقة للتغيير والتطوير. كانت النزعة الاحتجاجية لديه متأججة، وكان يملؤه شعور ضد الظلم والاضطهاد الإقطاعيين آنذاك.

لقد أثر عميقاً في الطلاب الذين وجدوا فيه نمطاً يختلف عن الآخرين اختلافاً جذرياً، يتحدث معهم ويبث فيهم روح النقد  والرفض لما هو قائم. لايزال من درس عنده في ذلك الوقت، وبينهم من أصبح له فيما بعد باع في الثقافة السورية، يتذكرونه بود واحترام.

انتقل بعد ذلك إلى محافظة حلب التي هو ابنها الصميمي، ابن بلدة كوران، وانقطعت أخباره عنا سنوات عديدة، بيد أن طلابه ومن كان على احتكاك معه ظلوا يتذكرونه باستمرار.

تمر سنوات، وأعود فألتقي معه عام 1959 في سجن المزة. لم يتغير شيء من طباعه، البسمة الحلوة على شفتيه، والثقة بالمستقبل، والتفاؤل المستمر، بيد أن شعرات بيضاً، وهو الشاب، كانت تتخلل شعره الغامق، ومسحة من الحزن تبدو على وجهه بين الفينة والفينة.

ولد الرفيق راغب كوراني في أوائل الثلاثنيات من القرن الماضي، وباكراً جداً تعرف على أفكار الشيوعية، وأصبح عضواً في الحزب أوائل الخمسينيات. وفور عودته إلى حلب من طرطوس انخرط في نشاط منظمة حلب للحزب الشيوعي السوري ليرتقي تدريجياً ويصبح عضواً في منطقيتها. تأتي الوحدة ويعيش الحزب صعوبات جمة بسبب الحالة الإلغائية التي كانت مسيطرة على القوى السياسية التي كان يجب عليها أن تكون متحالفة، لأن ما يجمع أكثر بكثير مما يفرق.

اعتقل راغب كوراني في أوائل عام ،1959 وعذّب تعذيباً وحشياً في حلب، ثم نقل إلى سجن المزة في دمشق، وخلال ثلاث سنوات قضاها في السجن، لم يتزعزع إيمانه بقضية العدالة، ولا شعوره الوطني العميق تجاه بلده.

ولقد استمر راغب كوراني الإنساني والوطني والمعلم يحمل هموم وطنه وشعبه طوال حياته، ورغم الصعوبات الجمّة التي اعترضت مسيرة الحزب، ورغم التعقيدات التي عاشتها البلاد، فإنه لم يتخلّ مطلقاً عن ثقته بأن عصراً جديداً سيأتي أكثر إنسانية، وأكثر عدالة، وأن الحركة العمالية ستجتاز محنتها وستغتني أكثر فأكثر بمضامين جديدة تلبي متطلبات الحياة والتطور.

العدد 1105 - 01/5/2024