كذب المنجمون ولو صدقوا

الحظ والبخت أصبحا مهنة للكثير ممّن يدعون أنهم يعلمون ما يخفيه المستقبل لك، وهل أنت ممّن لهم حظ وشهرة..؟ وفي الوقت ذاته هوسٌ مرضي للكثير من الناس, وخاصة الشباب اللذين يدفعون مبالغ هائلة, لعلّ كاشف البخت أو العرّاف يخبرهم أن غداً أفضل, ولهم فرصة من ذهب.

لذلك أصبحنا نلاحظ، مع ظهور الأقمار الصناعية, انتشار محطات فضائية كثيرة تُعنى بهذا الجانب من التنجيم والأبراج, والمتصلون مع هذه المحطات هم غالباً من جيل الشباب, فربما السبب وراء هذه الظاهرة يكمن في حالة اليأس والعجز أمام الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها المواطن في مجتمعات نامية على مختلف الصُعُدْ، ما يجعله ينجرف بطريقة لاإرادية إلى فضاء الوهم والخيال، فهو يجد فيه متنفساً لما لا يمكن تحقيقه في الواقع، فيُصدّق الغيب حتى ولو كان خيالاً أيضاً من باب التشوّق والرغبة في التقرّب من عالم الغيب عبر التخمينات, وأيضاً من باب التسلية.

في حين هناك أيضاً من يرفض تصديقها من منطلق أن الكثير من تلك التوقعات عادة لا تحدث, وفي الوقت نفسه تستغل وسائل الإعلام المختلفة كل فرصة, وخاصة عبر برامج الحظ والأبراج، واستضافة أشخاص منجمين بشكل مستمر, فهي فرصة لزياد الربح المادي، لذا نجد هذا الإقبال على(علم الخرافات) واسعاً، حتى أصبحت له ضروب و طرق شتى، جعلت جل الناس وبالأخص الجهلاء والأميين وطبقة الفضوليين فريسة سهلة للدجالين والنصابين.

من الناحية العلمية يدحض العلم كل هذه الخرافات، كذلك الديانات السماوية تحرمها جملة وتفصيلا.. وإن كان العلم قد رفض هذا المبدأ, لكن على أرض الواقع الوضع يختلف, فالكثير منّا بات ينتظر فقرة الأبراج, ويحكم يومه على ما تتحدّث به عالمة الأبراج, حتى بتنا نرى الكثيرين ممن يستندون إلى ما تقوله الأبراج إن كان جيداً أو سيئاً. لم يتوقف الأمر على الأبراج فقط, فالكثير يذهب لمعرفة بخته إمّا بقراءة الفنجان, أو الكف, أو الحساب بالأحرف والأسماء, أو بورق اللعب, لمعرفة هل سينجح في هذا العمل أم لا ويدفع أموالاً مقابل كشف المخفي، حتى أننا نلاحظ أن الكثير ينصرف عن العمل الذي كان يرغب به لمجرد أن المنجم قال له إن هذا العمل سيئ أو غير نافع، سواء كان مشروعاً أو شراء عقار أو تجارة أو غيرها، لتصبح منسية, فقط لأن المنجّم قال لهم إنها غير مجدية.

لعلّها أسباب كثيرة جعلت منّا رواد التنجيم والفلك, وجعلتنا ننقاد وراء البخت والحظ, ليتصدّر الجانب المادي الحيّز الأكبر من هذه الأسباب, وبعده قلة فرص العمل, والوقت الطويل الممل له نصيب أيضاً من انشغال الفكر بما سيحمل لنا المستقبل من فرص ومفاجآت, لكن المعزز الأكبر لتفاقم هذه الظاهرة هو المحطات المخصصة للمتاجرة بأحلام الشباب والناس عموماً, من خلال اللعب على العواطف, واستغلال الحماس والاندفاع والطموح لدى الشباب, لجني المال من خلال اتصالات هؤلاء. هنا نجد أيضا جانباً آخر لكسب المال بدعم شركات الاتصال، ولجذب الأنظار للمحطة بجعل الناس تنتظر شخصاً, همه الوحيد جني المال من خلال العبث بأحلامنا, وأحلام جيل الشباب.. لذا أقول للجميع: كذب المنجمون ولو صدقوا!

 

العدد 1105 - 01/5/2024