الحبُّ تاجُ السعادة للبشر

من الخطأ الشائع دائماً، أن نحصر كلمة الحب والمحبة بالعلاقة العاطفية الجميلة، التي نحترمها بالطبع ونقدسها، بين حبيبين. للحبّ والمحبة مفاهيم ومعانٍ كثيرة أشمل وأوسع من تقييدها بتلك العلاقة العاطفية، لتشمل كل المجتمع، وكل الإنسانية. الحبُّ هو التفاهم والتآلف والتناغم والتعاون بين كل الناس، بالحب تسود العلاقات الجميلة التي تُسعدُ الإنسانية كلها.

جبران خليل جبران قال: ( ليُحبّ أحدكما الآَخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيداً، بل اجعلاه بحراً متدفقاً بين شواطئ أرواحكما، البعض نحبهم لأن مثلهم لا يستحق سوى الحب، ولا نملك أمامهم سوى أن نحب نرمم معهم أشياء كثيرة نعيد طلاء الحياة ونسعى صادقين كي نمنحهم بعض السعادة، عندما يومئ إليكم الحبّ اتبعوه، حتى لو كانت طرقاته وعرة وشائكة).

في كل الأعراف والأديان والشرائع والأفكار، يُعتبر الحب بين الناس هو الأخلاق الحميدة، فالله هو المحبة، والمحبة هي التي تحضُّ على الأخلاق الكريمة والمثل العليا، فمن يحبُّ يكون كريماً معطاءً شهماً ذا نخوة ومروءة، وإن ساد الحب بين الناس تسود كل هذه الصفات العليا بينهم.

والحب هو الاقتداء بالمسيح عله السلام، إذ قال:

 ( أعطيكم وصيَّة جديدة: أحبّوا بعضكم بعضاً. كما أنا أحببتكم، أحبّوا أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. إذا أحبّ بعضكم بعضاً، عرف الناس جميعاً أنّكم تلاميذي).

الحب هو الغريزة الأولى التي تخلق مع الإنسان، فمنذ ولادته يتآلفُ الرضيع مع ثدي أمه ورائحتها وصوتها، ويحبها قبل أن يبصرها، ثم يتآلف مع أصوات إخوته ومع كل من في البيت، وتبدأ علاقة الحب بينهم بالفطرة، وفي الوعي الأول للأشكال يتعلق حباً بالجميع، ثم يحب ألعابه ودفاتره وكتبه وأقلامه ومدرسته ومعلميه ورفاقه في الدراسة وفي الحي الذي يسكنه، ثم يحب مدينته وحاراتها وشوارعها، ومن بين كل ذلك في مرحلة من الزمن يتعرف إلى الحب العاطفي فيختار من بين معارفه من يرتاح له من الجنس الآخر، ليكون الحب تتويجاً للسعادة في حياته.

من قواعد العشق الأربعين لجلال الدين الرومي:

(حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يُخيّل إليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تُدرك ما كُنتَ تفتقده طوال هذا الوقت. مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تُريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته. قد يكون ذلك الشخص حبيبًا أو صديقًا أو معلمًا روحيًا. وقد يكون طفلاً يجب إحاطته بالحب والرعاية. المهم هو أن تعثر على الروح التي تُكمّل روحك).

الحبُّ هو التضحية من أجل الآخر، كما تعلمنا من القديس( فالانتاين) الذي عاش في الدولة الرومانية في القرن الثالث للميلاد، هذا القديس قام بتوثيق عقود الزواج للشباب سراً،  مخالفاً بذلك ومعارضاً أوامر السلطات الحاكمة، التي فرضت قوانين تمنع الزواج للشباب إلى وقت متأخر من العمر، لتجنيدهم في دعم جيوش الإمبراطورية الرومانية التي كانت في حروب مستمرة لتوسيع سلطانها، فكان أن حوكم وأُعدم لاعتبار فعلته جريمة بحق السلطات آنذاك، فضحى بنفسه من أجل إسعاد الناس.

في القرن التاسع عشر، بدأت الشركات التجارية، بإفساد المعاني الحقيقية للحب، بتحويل ذكرى يوم القديس فالانتاين، إلى مناسبة تجني الأرباح المالية من خلالها، بتقزيم الحب إلى هدايا باللون الأحمر، فصار كل اهتمام الناس بهذه المناسبة محصوراً بدمى الدببة والورود والهدايا الحمراء اللون، متناسين المعنى الحقيقي لما يجب أن يكون عليه يوم الحب، من تضحية وإسعاد الآخرين بالأخلاق، والعمل على إبعاد أشباح الفتنة والصراعات بين البشر.

في وقتنا الحالي الذي نُعاني فيه من الصراعات الداخلية والخارجية، كم نحن بحاجة إلى المعرفة الحقيقية للحب والمحبة، تلك المعرفة التي تقارب الأفكار والعقائد والآراء والسياسات والأديان والطوائف، ليعمل الجميع بقوانين الحب والمحبة ليحل السلام على الجميع، فالحب هو السلام كما قال الرسول العربي عليه السلام:

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَ لا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم).

 

العدد 1107 - 22/5/2024