إعادة الإعمار.. مرحلة ليست للشعارات

مع تزايد الحديث عن إعادة الإعمار، وتعدد الجهات التي تقدر حجم خسائر الاقتصاد السوري، وتنوع الجهات التي تستعد لتنظيم معارض ومؤتمرات إعادة الإعمار، مقابل الإيحاء بوجود شركات تتوثب، وتتحين اللحظة المناسبة للدخول إلى السوق المحلية، أمام كل هذا وغيره، سنجد أنفسنا أمام ورطة كبيرة، تتعلق بكل ما يتصل بإعادة الإعمار، خاصة فيما يتصل بالعمالة التي ستشارك بهذا الملف الضخم الذي بدأت الحكومة الحديث فيه قبل فترة سابقة.

 في إعادة الإعمار، ليست القضية الرئيسية، تأمين فرص عمل لعدد كبير من المهن المرتبطة بالبناء، هذا تسطيح للقضية، ومحاولات فاشلة مسبقاً، لبث روح الطمأنينة، لدى العاطلين عن العمل، بأن المرحلة القادمة، لحظة صمت آلة القتل، ستكون معظم مشكلاتنا التنموية ذات الصلة في طريقها للحل. هذه وعود وردية، تزرع الأمل في غير مكانه الطبيعي، وتضع فرصاً وهمية أمام الناس الذين لم يعد لديهم الكثير من القوة والجلد للانتظار. فمرحلة إعادة الإعمار، ومن السابق لأوانه الحديث فيها حتى الآن، ليست كما يصورها البعض، جاهزة بقوانينها وتشريعاتها، وتمويلها، فكل ماقدمته الحكومة في هذا الإطار لا يتجاوز التقديرات البسيطة، لحجم الأضرار، ومدى الحاجة الفعلية لإعادة بناء ما تضرر، وهذه من أبسط الدراسات التي يمكن أن تضعها أي جهة، أو مكتب متخصص، إلا أن الأسئلة الجوهرية في إعادة الاعمار لم يتطرق إليها أحد حتى الآن، ولم يلامسها بعمق مسؤول كبير، وما تزال القضية معلقة إلى حين الوقت المناسب.

من هي الشركات التي ستأتي إلى سورية؟ من يحدد جنسيتها؟ ومن يضمن عدم دخول شركات بعينها تحت مسميات وهمية؟ ومن هو القادر على ضبط عدم دخول شركات محددة تكون أذرعاً لجهات مشبوهة؟ هي أسئلة لاتقل خطورة وأهمية، عن الوصول إلى تلك المرحلة التي ننتظرها، كما أن العمل الاقتصادي يتطلب طرح تساؤلات كهذه، والتوقف مطولاً، عند تصريحات رسمية مفادها، أن عملية إعادة البناء والإعمار ستكون بأيد وطنية. فمثل هذه التصريحات تثير لدينا التخوف، لأن من شروط إعادة الإعمار في الدول ذات التجربة الشبيهة لسورية، لم تقتصر العملية المذكورة على الأيدي العاملة الوطنية، وتبين أن هذا أقرب إلى الشعار البراق منه للواقع الحقيقي. طبعاً، هذا لايلغي إطلاقاً أن أي شركة ستعمل في إعادة الإعمار، ستنظر بجدية إلى اليد العاملة المحلية الرخيصة الأجر، لكن ماذا عن المستويات الأخرى لهذه المرحلة، المتعلقة بالكوادر العاملة في التخطيط والتنفيذ؟ المسألة برمتها ليست مجرد فرص عمل تخلقها مرحلة إعادة الإعمار، هي حتماً فرص عمل مؤقتة، لن نكون متفائلين جداً بها، استناداً إلى تجربتنا السابقة في تنفيذ المشاريع المحلية، التي سمتها التأخر وعدم الدقة وغياب الجداول الزمنية، وكثرة المبررات، وغيرها. من يذكر كم استغرق تنفيذ مشروع نفق ساحة الأمويين بين عامي 2002 و2003 من نقاشات مطولة؟ وبالمسطرة ذاتها نقيس على مشاريع أخرى هي شاهد محزن على حجم الفشل في هذا المجال، ومنها بناء يلبغا الذي انطلق في ثمانينيات القرن الماضي ومازال شوكة تقلع عين المواطن في قلب دمشق؟ والأمثلة كثيرة على صفقات مشبوهة  عرقلت تنفيذ تطوير بعض الشركات الصناعية. هذه ليست أمثلة مجردة، إنها واقعنا المؤلم والمزري والقاتل للأمل، والشواهد الحية للخيبة العارمة التي تحبط جرعات التفاؤل. وعلى سبيل المثال، نذكر أن النائب الاقتصادي الأسبق عبدالله الدردري، كان يصرح بأن سورية ستكون مستوردة للعمالة في حال استمرت الخطط التنموية، لكن البطالة زادت، ومعدلاتها المنخفضة كانت وهمية، خاصة لدى اندفاع عدد كبير من المسؤولين السابقين، وتأكيداتهم تجاوز مشكلة البطالة نظراً للبدء بمشاريع عمرانية من صنف خمس نجوم لأشخاص بعينهم، خليجيي الجنسية، بينما في الواقع كانت حصيلة ذلك ارتفاع سعر الأراضي.

لابد من التأسيس الصحيح للمرحلة القادمة، والانطلاق صوبها بخطا ثابتة، تستند إلى أرض صلبة على كل الصعد، وليس الاتكاء على قرارات رخوة، وتوجهات غائمة. هذا إذا اردنا انطلاقة صائبة نحو المرحلة التي تسم مستقبل سورية، المتمثلة بإعادة الإعمار، وليس إعادة إنتاج الشعارات السابقة.

العدد 1104 - 24/4/2024