سورية بحاجة إلى النور والهواء

 في مجتمع عانى وما زال من مختلف الأمراض والتشوّهات والشروخ الاجتماعية بسبب حرب أتت على القيم الروحية والأخلاقية للناس، مثلما أتت على كل مقومات الحياة الكريمة لغالبيتهم، تكون الحاجة ماسّة وبشدة إلى كفاءات إنسانية وعلمية قادرة على استنباط كل ما من شأنه أن ينهض بالفرد والمجتمع والدولة في آنٍ معاً، لاسيما أن الواقع قد فرض على الجميع العديد من المتغيّرات التي فرضتها ظروف الحرب، ولعلّ أهمها، أن المرأة السورية بشكل عام كانت وما زالت دافع الضريبة الأكبر لما جرى سواء على المستوى الشخصي أم العام. فقد عاشت وعانت التهجير واللجوء والنزوح والتشرد في ظل ظروف غير رحيمة، مثلما عانت فقد الأبناء والأخوة والزوج، كما عانت الاعتقال والاختطاف والاغتصاب الذي اغتال إنسانيتها قبل أنوثتها، فتركها جثّة بلا روح، تقاوم شظف العيش من أجل ما تبقى من أبناء وأهل وقع عليها عبء تأمين مأواهم وقوتهم بأيّ ثمن، في ظلّ بطالة فظيعة وغلاء متوحّش غرز أنيابه حتى في لقمة الخبز الذي صار لدى البعض صعب المنال..

مجتمع كهذا، يحتاج إلى مختلف الجهود والعقول التي تتخذ من العلم مساراً ضرورياً للبحث عن حلول إنسانية تُخرج الجميع من قاع التخلّف والبطالة والعطالة الفكرية، عبر دراسات وبحوث تتناول مختلف المشكلات الناجمة عن الحرب، وتوصيفها وتحديد طرق وسبل علاجها على أيدي مختصين يمتلكون المهارات العلمية والفنية والتقنية اللازمة. ولا شكّ أن كل هذا يحتاج إلى زمن ليس بالقصير للوصول إلى بعض النتائج المتوخاة على مختلف المستويات. أمّا أن يُلجأ إلى فتاوى وحلول سهلة وسريعة وتقليدية لم تعد تتناسب والواقع الإنساني والاجتماعي، فإن هذا يعني إمّا الإفلاس والفشل، أو المحاولة الدائمة لإبقاء المجتمع في حالة من التخلّف الاجتماعي الذي سيقود إلى تخلّف متعدد ومتنوّع لمختلف شرائح المجتمع أولاً، والدولة ثانياً، وهذا ما لا تحتاج إليه دولة مثل سورية.

سورية اليوم بحاجة إلى نور العلم والعقل مثلما هي بحاجة إلى أوكسجين نقي يدفع بها وبأهلها نحو حياة مدنية علمانية في ظلّ دولة المواطنة والقانون.

العدد 1107 - 22/5/2024