الحل علمانية الدولة السورية

المشكلة ليست في عقلية قاضٍ شرعيٍّ أو مفتٍ أو داعية مسعور جنسياً ينحصر تفكيره وإغراؤه الوحيد خلال (الدعوة) للدين في الحور العين اللاتي وعد الله بهن المتقين والمجاهدين في سبيله. المشكلة في بنية مجتمعية قائمة على عقلية ذكورية مقيتة مبنية على ثنائية صياد/ فريسة، في النظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة.

 المرأة فريسة، طريدة، مهيضة الجناح، لا تغادر عشها إلاّ لتأمين بعض الحَبِّ لفراخها أو بعض القش لترميم العش. الرجل صياد، مغوار، غضنفر، يترقب الطريدة ويلاحقها لا بنظره فحسب، بل بكامل شهوته وحيوانيته، لينقضّ عليها ويأخذها إلى رغبته الشاسعة.

في هذا الملعب الضيق تلعب أديان وأيديولوجيات وأحزاب وحركات ومنظمات، وتُطرح أفكار، وتُعقد مؤتمرات وجلسات حوار وورشات عمل، وعلى الأرض تبقى المطاردة مستمرة بأشكال وطرق شتى بين الصياد والطريدة. في أوقات الحرب يخرج الوحش الكامن في أعماقنا، بل يسفر عن نفسه كاملاً واضحاً بلا رتوش، بلا مكياج، بلا مبررات كاذبة.

هذا ما حصل في جميع الحروب، حيث دفعت النساء والأطفال والعجائز الثمن الأكبر للحروب كلها. هذا ما يحصل في الحرب السورية الكارثية، نماذج النساء السوريات اللاتي يخرجن من الاعتقال أو الخطف هو غيض من فيض، هو الجزء الظاهر من جبل الألم البشري.

الجزء الأخطر هو ما يحصل للمرأة التي فقدت(رجُلها) سواء كان هذا الرجل أباً أو أخاً أو زوجاً، وأصبحت تحت رحمة مجتمع لا يستطيع رؤيتها خارج فكرة الطريدة، فتبدأ رحلتها مع الابتزاز والاستغلال الجنسي.

المرأة التي وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن إطعام عائلة وأطفال وإسكانهم وعلاجهم، وهي لا تتقن من الدنيا سوى الطبخ والنفخ والغسيل ورعاية الأطفال(وليس تربيتهم)، والذئاب البشرية تتزاحم على الفريسة المنتظرة الجاهزة للالتهام.

هذه المرأة أمامها حلان- إلاّ في حالات استثنائية- إمّا أن تتزوج(على سنة الله ورسوله) رجلاً، أيّ رجل، يتقدم لها، ليصبح(ظل راجل ولا ظل حيطة)، ولا يهم إن كان أكبر منها بعشرات السنين، أو أن يكون متزوجاً من ثلاث نساء كحد أقصى طبعاً، أو أن يكون لديه قبيلة أولاد بعضهم أكبر منها عمراً.

والحل الثاني أن تدخل ساحة النزال من أجل العيش بلا أسلحة، وتدخل فم القروش الكثيرة التي تنتظر التهامها، وتتعرض لألسنة السوء حتى لو بقيت محافظة على نفسها أمام طوفان الإغواء التافه الذي يراها أداة متعة فحسب لا كائناً يُحبُّ ويكره، يعشق وينفر، يحلم ويضجر.

ما طرحه القاضي الشرعي الأول بدمشق كـ(حل) لمشكلة ارتفاع نسب العنوسة (وهي مفردة بحاجة إلى بحث في فحواها ومشروعيتها) والأرامل في المجتمع السوري، ألا وهو تعدد الزوجات، لم يأت بجديد في طبيعة التفكير الذي يدافع عن ظاهرة تعدد الزوجات ويبررها ضمن دفاعه عن الشريعة الإسلامية وضرورة أن تكون هي مصدر القوانين والتشريعات.

فتعدد الزوجات أمر مباح بل مفتوح ومُشَجَّعٌ عليه في صلب القرآن(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)- سورة النساء ،30 فالآية القرآنية لا تقول انكحوا كل هؤلاء النساء لضرورات حياتية أو مجتمعية(كحالات الحروب مثلاً) بل كانت صريحة:(ما طاب لكم)، أي ما اشتهيتم ورغبتم من النساء.

المسألة هي رؤية المرأة على أنها خُلقت من ضلع الرجل، أي هي تابعة له، فرع صغير منه، وأنها لا وجود لها إلاّ به وله، رؤية تكرّست ونمت في جينات أجيال منذ أربعة عشر قرناً وليس من السهل اجتثاثها، بل من المستحيل اجتثاثها في فترة زمنية قصيرة.

السيد القاضي قال ما يفكر فيه كل الرجال الذين نراهم يومياً، ونعيش معهم ونتبادل معهم الوجع والضحك والطرائف الجنسية.

لا ندّعي أننا نملك حلاً أو وصفة سحرية للمشكلة، لكن بداية الخروج من هذا العار المزمن هو تأكيد علمانية الدولة السورية القادمة، وضرورة أن ينص دستورنا القادم نصّاً صريحاً لا لبس فيه على فصل الدين عن الدولة وعن التشريع، مع الحرص على الحريات الدينية وحرية المعتقد.

لكن في خضم المأساة لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة أن يتركّز نشاط الرافضين لهذا العنف الفظيع ضدّ النساء، على حمايتهن، بتأمين عمل لهن يقيهن البؤس والفاقة والحاجة إلى (عناتر) هذا الزمان.

العدد 1107 - 22/5/2024