لا داعي لجعلنا رقماً على دفتر العائلة

 هكذا أنت جلمود صخر، شجرة صامدة رغم كل الرياح والهزات، رغم أن الرجل في منزل الأهل، والرجل في منزل الأحلام، يَبثُّ قراراتك، يُحجّم طموحاتك، يُسكِتُ كلماتك، يقتل خضرة الربيع في عيونك الحالمة، يرمي سياط الخزي على جسدك المفتول للريح، فشل ذراعيه على تضاريس أرضك، يسكبه سمُّ كلامه على نهر سمعك الصافي، ليقتل موسيقا الرب بين خلايا سمعك، لا تسمعي من الكلام سوى أنك عورة، والرجل هو الغطاء والستر لهذا الجسد.

كوني أنت زمام القرار ومقود القيادة، فـأنتِ من وهب الحياة… لا تسمحي لوقع الكلام المُقيّد لحريتك أن يستوطن الفكر ويحتل مساحته، بأنك عيب وعالة على المجتمع، وأنك بحاجة إلى رجل يستر هذا العيب ويُعين هذه العالة، أنتِ أقوى من كل قراراتهم وشعاراتهم وأحكامهم.

فمن قال إن مشكلتك الوحيدة هي العنوسة؟؟!! ألا توجد مشاكل أكثر أهمية لطرحها من أنك مازلت عذراء أم لا؟؟ وهل عدم الزواج قضية كبرى يا حضرة القاضي؟ وهل نساء سورية مشكلتهن الوحيدة فقط هي العيش في كنف رجل؟ وهل هي أهم من مشكلة المواطنة بالنسبة للمرأة، وأهم من مشكلة الجنسية أو المهر، والعمل والعلم، والمتاجرة بها، وتعنيفها(العنف الجنسي والاغتصاب) باعتبارهما إحدى أدوات الحروب ويتسبّبان في معاناةٍ كبيرةٍ لها، وأيضا العنف الذي يتجسّد في النظرة إلى هذا الكائن الرقيق المرأة (نظرة تسليع)، وأنها مثار للغريزة والمتعة، وكأنها فقط لبعث النشوة. كذلك الضرب الشديد لجسدها الناعم، خاصة أن هذا الجسد هو الحافظة للحياة، منه تولد الحياة والطفولة. كل هذه المشاكل أولى بالنظر إليها من مشكلة الزواج يا حضرة القاضي، وجعل المرأة مجرّد رقم على دفتر العائلة لرجل، يخطط مستقبلها ويكتب ترقيمها برقم واحد واثنان وثلاث وأربع، معتبراً نفسه سلطاناً وأرقامه النسائية هي الخدم والحشم له..

فلعلّ الحلّ الذي خرجتم به سيادتكم أشدُّ مساساً بالمرأة من المشكلة نفسها. فإذا كانت مشكلة الزواج بحدّ ذاتها مشكلة للمرأة، فإنها حين تكون مستقلة مادياً، ومتعلمة، وكاملة العقل، ومنتجة، فهي غالباً لا ترى أنها بحاجة إلى رجل يستر عورتها، وإن كانت بحاجة إليه فهو ليكون النصف الثاني لها والشريك والحبيب، وليس الوصيَّ عليها، لأنها بنظركم مازالت غير كفأة لترعى نفسها فتحتاج إلى من يراقبها ويكبحها.

لعل في مجتمعنا الآن في ظل حرب عمرها ست سنوات مشاكل أحقّ بأن تولى النظر إليها، من مشكلة الزواج الذي خرجتم له بحل، كان أكثر قسوة على المرأة من عدمه، فالأجدر بكم النظر في مشكلة التسرب من المدارس لمن هم في سن التعليم الإلزامي، ومشكلة البطالة للجنسين، ومشكلة الفقر والعوز المادي للعائلات المهجّرة، ومشكلة السكن والإيواء لمن فقد بيته وفقد معه الأمن والأمان، مشكلة أطفال غزوا الشوارع ليناموا أو ليعملوا أو ليتسولوا، فأين حلولكم لكل هذا؟ وأين أنتم من هذه المشاكل الحقيقية المُسببة بشكل مباشر في تصدّع مجتمعنا؟؟ يبدو أنكم لا تَرَوْن إلاّ مالكم به نفع يا حضرة القاضي، ويا رجال الدولة القيّمين من وجهة نظركم، لتبدو المرأة من خلال رؤيتكم ورأيكم، هي الغاية المرجوة، والمنفعة المنشودة، لذلك حظيت باهتمامكم، وحلولكم المجحفة بحقها؟؟

فكوني أنت أيتها المرأة أقوى من كل تلك الحلول، كوني سيدة نفسك، فأنت من حمل الرجال، وأعطاهم الأمان والأمن، لذا من الجرأة بمكان أن نقول إن درجة تطور أيّ مجتمع تُقاس بتطور المرأة فيه ومدى حصولها على حقوقها في جميع مجالات الحياة، ومشاركتها في الحياة العامة والسياسية منها والاقتصادية، فأنت البوصلة، والمحرك الحقيقي لكل المجتمع، فلا حاجة بك إلى رجل قوام عليك، وإن كنت فعلاً بحاجة إليه، فذلك فقط لتكملا أحدكما الآخر، فلا داعي يا سيادة القاضي لتجعل منّا رقماً على دفتر عائلة، أو في كنف رجل يرى بنا العجز، ومن دونه لا تزهو حياتنا، فنحن من زرعه بذرة في أحشائنا نمت لتظهر للحياة، ولم نكفّ عن العناية بها لتصبح نبتة، فلا داعي لهذه النبتة أن تظللنا لأننا خزيٌ فقط…؟!

العدد 1107 - 22/5/2024