الدفء والحب جناحا الخلاص لنا وللوطن

أنعش الدفء الذي منحتنا إياه شمس الأيام المنصرمة بعض آدميتنا المتوارية خلف تلال القهر والألم والأسى، فراودنا طيف فرح وَجِلٍ وخجول، ربما لأننا اعتدنا الحزن الذي صار زاد أيامنا، لهول الفجائع والكوارث التي مُنينا بها على مدى سنوات الحرب.. وبالقدر ذاته أنعش في الأجساد والأرواح بعض النشاط والحيوية التي اغتالتها موجات البرد المتتالية، فأحالتنا ركام جليد في محيطات اليأس والعدم.

فالدفء مفردة من حروفٍ ثلاثة لا تشغل في المساحات البيضاء سوى فسحة صغيرة، لكنها تحمل في طياتها كل معاني الإنسانية والحياة والعطاء.. هي كما الحب مفردة من حرفين لكنها تعني الأُسّ والأساس للبشرية منذ أن وعت إنسانيتها على كوكبنا..

الدفء يعني للإنسان الأمان والعطاء والنشاط، مثلما يعني للأرض إنتاش البذور الكامنة في أحشائها، وتبرعم الأكمام على أغصانها.. الدفء بعد البرد نشوة الحياة وزهوّها وجمالها.. هو ربيع الأرض بعد شتاء أترعها مطراً تغلغل في نسغ الزرع لتفيض الحقول بمواسمها.

والدفء بالنسبة للسوريين، هو الخلاص من لسعات برد تغلغل في العظام والأجساد فأنهكها.. مثلما هو تحررهم من قبضة سماسرة وتُجّار حرب نهبوا مستحقاتهم من وقود التدفئة، ليعيدوها لهم بأسعار لا طاقة لهم عليها، ساعدهم في ذلك ثلّة من فاسدين في مفاصل وأماكن سمحت لهم بالثراء على حساب آلام الناس وقهرهم ووجعهم، فاسدون يعيثون في أجسادهم خراباً وقتلاً، أفظع وأشنع مما تعيث داعش في البلاد وتستبيحها بساكنيها وما فيها..!!!!

ولا تقلُّ برودة النفس والروح أثراً وتأثيراً على الحياة عن برودة الجسد، إن لم تكن أشدُّ منها تأثيراً، فبرودة المشاعر والعواطف والإنسانية سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، تجعل التفاعل بين الناس ضئيلاً أو معدوماً، مما يقود بلا أدنى شكّ إلى الكثير من الأزمات والإشكاليات التي يصعُب التعامل معها أو إيجاد حلول سريعة لها.. كما أن هذا البرود يؤدي إلى برود في التعاطي مع مختلف أشكال العلاقات الإنسانية، وبالتالي يصل المجتمع والفرد معاً إلى حالة من الخواء الفكري الذي يؤدي إلى تصحّر الحياة بكل اتجاهاتها.. لذا، نجد أن الحياة والبشرية معاً بحاجة ماسّة وأزلية إلى الدفء والحب كي ترتقي وتتطور إلى كل ما يليق بإنسانية الإنسان وحضارات الشعوب.

وبالتأكيد، هو ما تحتاجه اليوم سورية التي تئن منذ سنوات ست تحت وقع فؤوس الإرهاب من جهة، وسهام الفساد والفاسدين من جهة أخرى.. تحتاج سورية وأهلها إلى دفء القلوب والعقول، مثلما تحتاج إلى الحب الذي يقوّض بعمقه واتساع مداه كل مساعي الإرهاب والفساد والتخلّف الساعي أبداً إلى عرقلتنا في الوصول إلى دولة مدنية علمانية يسودها العلم والقانون.

 

العدد 1105 - 01/5/2024