مصياف قاب قوسين أو أدنى..

مصياف الحسناء الجميلة لمحافظة حماة وصبية الجبل المكللة بالغار، تُمحى معالمها بتحليق مسؤوليها وبعض تجار الوطن فوق القانون والدستور، برعاية حكومية خاصة، لتهميش ما تبقى منها، فأصبح مواطنوها عبيداً باستغلال لقمة عيشهم وغياب أدنى مستوى من الخدمات التي يجب أن تتوفر لحياتهم البسيطة.. وكأن زمناً سحيقاً يعود بعصرية الزمن الحكومي وقراراته التي أصبحت فرمانات تقرع لها الطبول معيدةً السوط والمشنقة لمن يعصي أوامر الفرمان.. ولا بد من دفع الدية بطريقة جديدة لا تخدش الحياء والمظهر العام، ولكن تنهش الداخل وتزيد كبت الوجع والألم في النفس الإنسانية لمواطن عشق أرضه وقدم أبناؤه أرواحهم قرباناً لكرامة الوطن وشرفه، لتتزكى أرض الشام بعبق دمائهم الطاهرة لعلها تنبت وروداً وشقائق نعمان في ربيع النصر القادم.

لكن الواقع المصيافي بات سيئاً للغاية، لوجود أغوات صنعهم العصر الحكومي فوضعوا لأنفسهم قرارات ينفذونها كما يشاؤون على المواطنين، وللواقع صورة ننقلها لكم بمصداقية وشفافية في تحقيق قمنا به في مخاض المجتمع المصيافي ومعاناة مواطنيه الكادحين.

طريق للسنة الخامسة.. لعبة المحافظ أم المنطقة؟

لم يعد طريق مصياف – القدموس حكاية جديدة لمعاناة يومية منذ 5 سنوات للمواطن المصيافي ولسكان بلدية حيالين وتوابعها الذين يعيشون في جحيم تنفيذ الطريق منتظرين فرجاً لصبرهم، لعل هناك رداً باستكمال تنفيذ المشروع وتخليصهم من معاناتهم. بالاطلاع والمتابعة للموضوع حصلنا على بعض المعلومات وخطة تنفيذ الطريق التي دخلت سنتها الخامسة، والحكاية بدأت منذ عام 2010 بتوقيع عقد تنفيذ الطريق بطول 9.5 كم، ومن ضمنه مشروع الصرف الصحي لبلدية حيالين، ومدة تنفيذ المشروع هي سنتان ونصف، ولكن حتى اليوم لم ينته تنفيذ المشروع، ما جعل استخدام الطريق معاناة شاقة للمركبات والمواطنين، خاصة في الظروف المناخية السيئة. سألنا عن سبب تأخر تنفيذ المشروع،  فكان الآتي:

المتعهد (م.ح) استنكف عن تنفيذ المشروع لأسباب ومشاكل بينه وبين محافظة حماة ومنطقة مصياف، وعدم دفع مستحقاته في المدة المحددة للعقد، والمشكلة الأساسية في تنفيذ الطريق تكمن في القيمة المحسوبة لتنفيذ العقد التي وضعت في عام 2010 أي قبل الأزمة والحرب على سورية، وقبل ارتفاع الأسعار للمواد وللأيدي العاملة الذي حصل بعد عام 2011 مع العلم بأن الصخور من النوع الكلسي الكتيم الذي يحتاج لتكسيره إلى معدات وأدوات ثقيلة، وقد طالب المتعهد بإعادة إجراء مناقصة جديدة للمشروع وفق الإحداثيات الجديدة للمشروع، ولكن لم يتم الرد على مطالبه ولا حتى دفع مستحقات المشروع المنصوص عليها بعقد المشروع، فبقي طريق مصياف – القدموس حتى اليوم قيد التنفيذ، بتوقف استكمال المشروع وغياب المتعهد، مع العلم بأنه بوابة مصياف إلى الساحل السوري، لأن الطريق البديل الذي يمر من عين قضيب والشيحة غير مؤهل للمركبات والشاحنات.. والسؤال يبقى هنا: من المسؤول عن توقف تنفيذ المشروع؟ واستمرار معاناة المواطن وصاحب المركبة وأهل المنطقة على حساب من؟ هل هي المنطقة، أم المحافظة الحكومية أم المتعهد المسؤول؟ سؤال برسم من يسمع نداء المواطنين وحقهم في العيش!

ناحية جب رملة.. مثال لخدمات تحت الصفر!

الواقع الذي يعيشه مواطنو ناحية جب رملة وتوابعها بات صعباً بتلاعب المسؤولين وعدم تنفيذهم للقرارات، وغياب الرقابة الحكومية عنهم، إذ يعملون لمصالحهم الشخصية متناسين المواطن الكادح وحقه في العيش بأقل الخدمات. وصلتنا الكثير من الشكاوى بخصوص التسيب البلدي الذي تعيشه الناحية، وتبين بالتحقيق والاطلاع على الواقع الذي سننقله بصوت الموطن السوري: أكوام القمامة تملأ الشوارع أصبحت ملاذاً للقطط الشاردة، تنبعث منها الروائح الكريهة. وبسؤالنا للمواطنين كانت الإجابة بأن (مسؤولي النظافة لم يقوموا بجمع القمامة من الحواري والشوارع منذ أكثر من 15 يوماً، ورئيس البلدية لايرد على أحد، ويقول بأن لا مازوت لدينا)! وسؤالنا هنا: إذاً أين مخصصات البلدية من مادة المازوت؟ وأين الفرقة الحزبية في الناحية من ذلك وهي مكلفة بذلك؟

أما بالنسبة لدور المؤسسة الاستهلاكية في الناحية، فهو سيئ للغاية، كما قال أحد المواطنين: (بتفتح يوم و20 ما بتفتح المؤسسة)، كما أن كل المواد الغذائية التي يجب أن تصل إلى المؤسسة مغيبة تماماً، وإن أتت فلها طريق آخر، إذ تباع للتجار لا للمواطنين، ورئيس البلدية يقوم بالتغطية كما فعل سابقاً بمادة الزيت التي أتت للمواطن وباعتها موظفة المؤسسة للتجار في ذلك الوقت.

وليس وضع المعونات في الناحية بأفضل، فالمواطن لايرى منها شيئاً أبداً، وما جمعية (البتول) سوى اسم بلا صفة لا تخدم الغاية التي أنشئت من أجلها، ولم يستفد منها المواطن أي شيء، لأن من يمسك زمام الأمور في المبرة أشخاص تهمهم مصلحة الجيب.

ولم يكن وضع المقسم أفضل، فخدمة الإنترنت حتى اليوم لم تتوفر في الناحية رغم أن عمر مقسم هاتفها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكل البلدات التابعة لقضائها أصبحت مخدمة بخطوط ADSL. ويتساءل المواطن: من المسؤول عن هذا التهميش في كل المفاصل الخدمية والمهمة في حياة الناس مع العلم بأن أخطاء البلدية وفسادها باتا واضحين، منذ التلاعب بالمخطط التنظيمي من قبل رئيس البلدية السابق، وتغطية رئيس البلدية الحالي على الملف والتستر عليه. وقد صرح لنا المواطنون بأنهم حتى اليوم لم يحصلوا على ليتر مازوت واحد من مخصصاتهم لهذا الشتاء، وصرحوا لنا أيضاً بأنه ليس هناك عدل في توزيع المازوت! وبسؤالنا: هل تصلكم المعونات؟ كان الجواب: أي معونات؟! لم نرها أبداً..

هذا وضع ناحية من نواحي منطقة مصياف، تظهر حالة الفقر المعيشي للمواطن والتلاعب بقوت عيشه وعدم توفير أبسط خدماته، فمن المسؤول عن هذا التهميش؟ ومن الداعم لهؤلاء الثلة من المسؤولين (رئيس البلدية والفرقة الحزبية والمؤسسة الاستهلاكية والجمعية التي تسمى بالخيرية… إلخ)؟ نترك هذا السؤال برسم من يسمع صوت المواطن!

تجارة المعونات.. التموين نائم!

(غير مخصص للبيع) هذا شعار تحمله مغلفات وعلب المعونات التي تأتي للمواطن السوري، ولكن يجري بيعها والمتاجرة بها من قبل المسؤولين عن الموضوع ولم تعنهم كلمة (غير مخصص)، بل هو مخصص للبيع برأيهم.. فهمّهم الوحيد جمع المال وزيادة حساباتهم.. فمسؤولو الحكومة ليسوا أفضل منهم وكما يقول المثل الشعبي: (مافي حدا أحسن من حدا)! أما حرمان أسرة فقيرة ومحتاجة وحرمان ابن شهيد ومصاب وجريح من حقه ومخصصاته، فهذا آخر همّهم، وليس هناك محل خال من مغلفات وعلب المعونات، فهي تباع للمواطن بأسعار المنتجات الأخرى، و(الفضل) يعود للتموين الذي يمارس رقابته في أحلامه مع فنجان شاي في المكتب وسيجارة تريح النفس.

تسعيرات النقل.. من سيئ إلى أسوأ!

فوضى التسعيرات الجنونية لم تضبط حتى اليوم في وسائل النقل، وهي تعلو التسعيرة النظامية بفارق الضعف تقريباً، وباتت تجارة المواطن تجارة سهلة كتجارة الرقيق والعبيد في سوق النخاسة، فغياب الدور الحكومي وغياب القانون في منطقة مصياف وريفها استباح كل شيء: ليتر المازوت يباع بما بين 250 ليرة 300 ليرة سورية، وسائق المركبة يتحكم بتسعيرته كما يريد ولم تعد كراجات العموم سوى أسواق للمزاد والمزايدة العلنية، والتلاعب بالمواطن والطالب أمر سهل للغاية، لأنه لا يوجد من يحميه أبداً، وعدد المستغِلين في زيادة والفوضى تعم المنطقة بكل مفاصلها، فترفع أصحاب السوابق وتحكمهم بات واقعاً أليماً وفاضحاً، وليس من محاسب كما يقول المثل الشعبي: (يا فرعون مين فرعنك؟ رد قائلاً: ما لاقيت مين يردني)! هذا هو الحال الآن في منطقة يحكمها المستغلون بقوة المال وأمور أخرى، مكرسين أوجاع مواطنيها، فإن سألوك يوماً عن هوى مصياف وسحرها، فقل لهم: لم تعد مصياف حسناء بعشق الهوى، بعد أن قيدوها وقصوا جدائلها، لأنها أبت أن تغتصب، فهي اليوم قاب قوسين أو أدنى!

العدد 1107 - 22/5/2024