عمالة الأطفال السوريين

أحلامنا وأحلام أطفالنا باتت تشبه أحلام بائعة الكبريت, عند إشعالها أعواد الثقاب, مع كل عود تشعله ترى شخصاً يشعرها بالأمان, إلى أن وصلت إلى العود الأخير, وكانت نهاية القصة, فقد رأت الأم الحنون, عانقتها وأخرجتها من عالم الذل والفقر إلى عالم الراحة الأبدية.

لكن الفرق بين الشعب السوري وبائعة الكبريت, أن هناك شخصاً أطفأ للشعب السوري عود الثقاب الأخير, أي عود الخلاص…

فأزمة الست سنوات, قتلت الطفل في رحم أمه قبل أن يلج الحياة.. ومن ولج للحياة مع بداية الأزمة, كانت أصوات الهاون, وضرب المدفعية, هي وسائل ترفيه له ومداعبته، ومن كانت طفولته في أوجها في ظل الأزمة, كانت السماء غطاء البعض, والأرض فراشهم, وشظايا البغض بدل بلسم الجراح للجسد العاري. ومن أتى للحياة قبل أزمتنا المشهودة من الأطفال, نال الحصة الأكبر, فقد عاش القصة منذ البداية للأسف, منتظراً بعيون حائرة متى تُختتم القصة, ليصل بخير إلى النهاية السعيدة, مثله مثل أي طفل بالعالم, فالبعض منهم للأسف, وجد نفسه منذ بداية القصة معيلاً لأسرة دونما سبب، فقط لمجرد أنه شُرّد من منزله وقُتل الأب أو الأم، أو كلاهما.

فأبناء الأزمة للأسف, عمرهم بعمر الورد, بعمر التعليم ست سنوات, بدل أن يدخل كل منهم المدرسة ليتعلم أحرف الهجاء, دخل سوق الحياة وتعلم لغة التجار, وغرد بصوت القذائف, وصدح بأفظع الشتائم, فقد باتت لعبته الجديدة آلة يديرها مرغماً, وسيارة يُصلحها عنوةً، وتسليته بسطة أو عربة صغيرة على رصيف يبيع الأقلام الملونة بدل أن يرسم بها, ويكتب ويلون أحلامه وأمنياته, إحساسه بأنه طفل يحلم بمقاعد المدرسة الخشبية, أو يبيع عليها الأطايب, بدل أن يأكلها فرحاً بحلاوة الطعم.

لقد بات أطفال سورية أكثر سلعة تنتشر بالشوارع وبأرخص الأثمان, فمن يا ترى قرر عن هذا الطفل الحالم, أن يُزجّ في معمل طوال الوقت, بدل أن يكون على مقاعد الدراسة ينهل المعرفة..؟ هنا نسألك أيتها الحكومة الكريمة؟؟ أين أنت من هؤلاء الأطفال؟؟ أين القرارات الصائبة حيالهم؟؟ لماذا هذا الصمت القاتل, فقد قتلهم السكوت, أما آن لك أن تتكلمي, أن تنظري بعيون خضراء إلى أطفال بعمر الورد مغروسين على أرصفة الطرقات, عطاشاً للماء, للدفء, للغذاء, فمتى ستكونين الأصيص الأمين لهم..؟ فهم من سينشر لك الغد عطراً فواحاً لتصل رائحة النجاح إلى العالم أجمع.

فيا ليتك أيتها الحكومة الكريمة تولين جلّ اهتمامك لدور رعاية الأيتام, للمصحات النفسية للأطفال الذين عاشوا كل أنواع الذل, وسمعوا كل أصوات القتل والضرب, فهم بحاجة إلى من يغسل وسخ الحرب من نفوسهم, ويزيل عفن الحقد عن جبينهم العاري, يحتضن وحدتهم, وينير ظلام أيام قهرهم، يدخلهم المدارس, يطعمهم، ويدفئ برد أناملهم لترسم الحب بدل الحرب, فأين أنت من كل هذا حيال شباب الغد الواعد؟؟ أليس أولى بك النظر إلى أطفال اليوم, أشبال الغد, وشباب الوطن, بدلاً من وقوف قائمي الأمر فيك, مكتوفي الأيدي!! وإن تحركت هذه الأيدي, فهي للقمع، والتصفيق للخيبة فقط.

العدد 1105 - 01/5/2024