الدروس الخصوصية إلى أين؟

 يمر المواطن السوري بمشاكل لا تنتهي، فلا يلبث أن يخرج من أزمة إلّا وتواجهه أزمة جديدة، تشد عليه الخناق، فالمصاريف المادية التي لا مهرب منها تزداد باستمرار، وخصوصاً المتعلقة بالتعليم، وباتت تشمل أيضاً مبالغ كبيرة لقاء الدروس الخصوصية، التي يخضع لها الكثير من الطلاب، لأسباب كثيرة أهمها الضغط الكبير لأعداد الطلاب في الصفوف، مما يسبب عبئاً على المدرس، في إيصال المعلومة إلى الطلاب بشكل صحيح، وعدم وجود مراقبة مستمرة على أداء المعلم في الصفوف الدراسية، وتقييم أهليته وقدرته التعليمية، فضلاً عن كمية المعلومات الكبيرة المقدمة في الحصة الدراسية، والتي يجب على المدرس إعطائها، مما لا يتيح فرصة للمعلم لأن يعيد طرح المعلومة بشكل جديد، أو إعادة شرحها للطالب الذي لم يفهمها جيداً.

كل هذا يعرّض الطلاب لاحتمال تراجع مستواهم الدراسي، وهو ما يعدّ مصدر قلق وخوف عند الأهل، لحرصهم على أن يحافظ أبناؤهم على مستوىً دراسي متقدم، يضمن لهم وصولهم إلى مرحلة التعليم الجامعي واختيار الفرع الأفضل. ولهذا لجأ الأهل مرغمين لإخضاع أولادهم للدروس الخصوصية، التي ما لبثت أن أصبحت تمثل ثقلاً على عاتق الأهل، فكلفة أي درس خصوصي للشهادات الثانوية والأساسي، لا يقل عن 3500 ليرة، وللصفوف الانتقالية يتراوح ما بين 1000 – 2000 ليرة، وهي مبالغ مرتفعة، يدفعها أولياء أمور الطلبة لتعليم أولادهم. ولا يختلف الحال كثيراً بين الطلاب الذين يتعلمون في المدارس العامة والخاصة.

وفي محاولة من الأهل لتوفير نفقات الدروس الخصوصية، لجؤوا إلى المعاهد المسائية التي تعنى بمتابعة دورس الطالب، ومساعدته على حفظها وحل واجباته، رغم أنها تسبب لهم ضغطاً إضافياً في النفقات، ولكنها تبقى أوفر من الدروس الخصوصية، فقد تصل تكلفة هذه المعاهد إلى قرابة 10 أو 15 ألفاً في كل شهر، فقد بات من العسير على بعض الأهل أن يهتموا وحدهم بتدريس أولادهم، بسبب الاختلاف في المناهج، أو لأن الأهل غير متعلمين، فيستحيل عليهم أن يؤدوا هذا الدور. وهذه الأعباء المادية التي يعاني منها الكثيرون، أصبحت حاجة ملحة، بسبب غياب التعليم الجيد في المدارس، والمتابعة المستمرة من قبل الأهل، ومن الاستحالة إيقاف هذه الظاهرة، إلا من خلال العمل على مراقبة أداء المعلمين، والعمل على تحديث أساليب تعليمهم، وزيادة عدد الشعب الدراسية لخفض أعداد الطلاب في كل شعبة، مما ينعكس إيجاباً على قدرة الطالب على الاستيعاب والفهم، فلم يعد بيد الأسر السورية حل يخفف عنهم مشقة هذه المصاريف، التي من المفروض أن لا تكون من ضمن همومهم ومدفوعاتهم، فبناء جيل متعلم لا يقع على عاتق الأهل فقط، بل على الحكومة أيضاً، فلا بد من تضافر الجهود بين الجانبين للوصول إلى غايتنا المنشودة والارتقاء بمستوى التعلم والتعليم.

العدد 1105 - 01/5/2024