موسكو.. عاصمة الحوار السياسي

تتواصل الاتصالات والمشاورات بين الأطراف التي أسهمت في منتدى موسكو-1 للحوار السوري – السوري الذي عقد في الفترة الواقعة بين 26 و 29 كانون الثاني2015 بين الحكومة السورية وبعض (المعارضات) السياسية السورية، هذه الخطوة التي قيّمها مختلف المتابعين بأنها خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، رغم أنها لم تسفر عن مقررات معينة، انسجاماً مع طبيعة المنتدى وطبيعة الدعوة الموزعة على المدعوين، ولكنها أكدت استمرار الحوار بين السوريين وفق مبادئ سياسية عامة، حازت على موافقة بعض المعارضين واعترض عليها آخرون.

وتجري الدعوة الآن للقاء الثاني للمنتدى، في ظل ظروف مختلفة نسبياً، ومنها الميلان المتزايد لميزان القوى الميدانية لصالح الجيش العربي السوري في مختلف المناطق بما فيها ما يحمل طابعاً استراتيجياً، كالضربة الموفقة للبنية التحتية لمشروع الشريط العازل في الجنوب والجنوب الغربي بالتعاون بين بعض الفصائل المعارضة وإسرائيل، والاقتراب المتزايد من قطع خطوط الإمداد عن قوى الإرهابيين في الشمال الشرقي لمحافظة حلب.

كما تأتي الدعوة الجديدة في ظل ارتباك أمريكي واضح تجسد بالتصريح الشهير للسيد جون كيري وزير خارجية أمريكا الذي أعلن فيه أن حكومته ترى نفسها (مضطرة) للتفاوض مع سورية لإيجاد حل سياسي للازمة السورية، بعد أن دأبت على الترويج للحل العسكري وسارت أشواطاً كبيرة في طريق التحضير له، وبعد أن ظلت تردد العبارات الممجوجة حول حل سياسي من دون الرئيس الأسد، الأمر الذي اعتبرته الأوساط السياسية على كل الأصعدة، بمثابة الإقرار بهزيمة السياسة الأمريكية العدوانية.

كما كان لهذا التصريح تداعيات على صعيد أوربا التي تتسابق بلدانها الآن لفتح حوار مع الدولة السورية، على قاعدة تصريح كيري هذا. وقد خلّف هذا التصريح أثراً عميقاً في أوساط المعارضة السورية التي اختار بعضها طريق الفساد والمكابرة، فاستمر في اجترار المقولات التي رفعها من قبلهم أسيادهم الأمريكان، والتي لا تنم إلا عن جهل عميق بميزان القوى وبالأوضاع الإقليمية والدولية، مما زاد من حدة التناقضات فيما بين فصائلها المسلحة، ووصلت إلى حد التصفيات الجسدية الجماعية، التي لا يمكن فهمها إلا على ضوء التسابق فيما بينها لانتزاع صفة التمثيل الأوحد، و(الاعتدال) أمام المعلّم الأمريكي الذي يرعى الآن حلفاً جديداً قوامه تركيا والسعودية وقطر، لمواصلة الحرب المكشوفة والشرسة ضد سورية وحلفائها الإقليميين والدوليين.

إن الأوضاع الجديدة في المنطقة، التي تتسم بطابع الدفع باتجاه التمزق والحروب الداخلية والأهلية بما يفيد إسرائيل في المقام الأول، تحتم على الحريصين على أوطانهم من شرور الفتن والتجزئة، ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار آخر، والبحث عن القواسم المشتركة، واغتنام أية فرصة للحوار الوطني للوصول إلى حلول واقعية ومبدئية للأزمات الداخلية. وبوسع السوريين المتجهين إلى منتدى موسكو الثاني تعميق الحوارات من أجل إيجاد قاعدة للحل السياسي للأزمة السورية بما يكفل وحدة الأراضي السورية وحماية سيادة البلاد ومؤسساتها وقرارها السياسي المستقل، وإجراء الإصلاحات الديمقراطية التي تكفل مساواة جميع الأفراد والأحزاب والقوى الاجتماعية أمام القانون، والسير في طريق التغيير السلمي الديمقراطي، واستئناف عملية التنمية ذات الطابع التقدمي لصالح الكادحين في بلادنا.

العدد 1105 - 01/5/2024