ردود الفعل الدولية على تصريح «كيري»

ليست المرة الأولى التي (يفجّر) كيري ومن كان قبله مثل هذا التصريح. ولم تكن هذه سابقة تحدث لأول مرة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة، حينما تنوي تبديل مواقفها الخاطئة واتخاذ خطوة أخرى (تعديلية)، وتشعر أن موازين القوى تميل لغير صالحها أو تحرف بوصلتها عن خط سيرها.

ولم يُحدث ما قاله كيري هزَّة سياسية في المنطقة والعالم، بل كشف مدى تماسك تحالف الولايات المتحدة وقوته، وصمود هذا التحالف على المستويين (الإقليمي والأوربي)، وتثبيت حدوده أو إزالة بعض منها أو القفز فوقها وعدم الخوف من هذا التجاوز، أو إعطاء سياسة البيت الأبيض جرعة استمرار وصمود بعد سنوات أربع من التهويش والكذب والتناقض والترويض، واستخدام القوة ضد الشعب السوري والدولة السورية وشعوب المنطقة، وفرض سياسة الحصار الاقتصادي، للوصول إلى تجويع شعوب المنطقة وتفتيتها وتخريب مكوناتها وزعزعة وحدتها وإضعاف الروح الوطنية والقومية.

لقد صرَّح السيد كيري لقناة (سي بي سي نيوز) الأمريكية، ورفع الغطاء عن حالة (كمون سياسي وأفكار مختبئة) وعدم وجود الجرأة السياسية للإعلان عنها. وقد عبَّر رئيس الدبلوماسية الأميركية عن موقف (جديد) في التعامل مع الأزمة السورية (وعدم الثقة بمواقفه)، عندما أشار إلى أن واشنطن ستضطر في النهاية إلى التفاوض مع الرئيس بشار الأسد .. لكن الرئيس بشار الأسد سرعان ما ردَّ عليه بوضوح شديد.

وكان رد الفعل سريعاً من حلفاء واشنطن.. إذ سرعان ما كشَّرت فرنسا عن أنيابها الصدئة ورددت عباراتها الممسوخة التي غَدت مكروهة، حتى من البيت الأبيض نفسه ومن معظم حليفاتها الشقيقات في الاتحاد الأوربي. ورأت الخارجية الفرنسية، أن هدفها تسوية سياسية للوضع في سورية على أساس التفاوض بين كافة الأطراف من أجل إنشاء حكومة وحدة. وأن الرئيس بشار الأسد لن يدخل في إطار التسوية. واتفقت بريطانيا (الحليف السرمدي) معها في الوقت الذي أعلنت استمرارها في الضغوط على الحكومة السورية وفرض العقوبات، بينما تساءل وزير الخارجية التركي وقال: ما الذي يمكن التفاوض عليه مع الرئيس السوري؟

أسئلة كثيرة تدور في فلك تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة.. ولماذا برز هذا الموقف عشية مرور أربع سنوات على الأزمة السورية، واستخدام عشرات الدول في العالم والمنطقة كافة أساليب التدمير والحصار ودعم الجماعات المسلحة وما تفتَقت عنه السياسة الإمبريالية العالمية..!

هناك إجماع عند (الأصدقاء والأعداء) أنَّ مجموعة عوامل تفاعلت وتعاضدت وشكَّلت حزمة قوية، أدَّت إلى اتخاذ الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوربي مواقف مغايرة لفرنسا وبريطانيا، الدولتين الاستعماريتين اللتين ترغبان في العودة إلى المنطقة لاستغلال ثرواتها، وإنعاش اقتصادهما المتأزم، والخروج بماء الوجه وتحسين سياستهما الداخلية .. ومن هذه العوامل:

1 – هبوب رياح الإرهاب على المنطقة والعالم، ووجود (داعش) في تسع دول.

2 عدم الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وتدهور الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في العراق واليمن وليبيا ومصر وتونس.

3 – قدرة الجيش العربي السوري على تحقيق الهزيمة للجماعات المسلحة في عديد المناطق السورية وعلى جبهات عدة، وصموده طيلة السنوات الأربع باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، وأنه الجيش القادر عل مكافحة الإرهاب وهزيمة الإرهابيين ودحرهم.

4 – تراجع العديد من دول العالم عن بعض المواقف التي اتخذت خلال الأزمة، وقطع العلاقات الدبلوماسية، ورغبتها في إجراء حوار مباشر أو عن طريق وسطاء لإعادة العلاقات الدبلوماسية (عربياً ودولياً) والتشارك في مكافحة الإرهاب.

5 – صمود الشعب السوري وموقف الغالبية العظمى مع السيادة السورية (سياسياً وجغرافياً) ومكافحة الإرهاب والوقوف ضد أي تدخل في الشؤون الداخلية وبناء سورية الجديدة .. سورية العلمانية الديمقراطية التعددية.

6 – التناقضات في السياسة الأوربية وتعدد المواقف والتخبّط السياسي الأمريكي، إضافة إلى ما أفرزته الأزمة السورية من إعادة النظر بالتحالفات الإقليمية، وما جرى فيها من تناقضات ومن تغيرات في هيكلية قمم وهرم بعض الدول الخليجية.

7 – الانقسامات المتتالية في التنظيمات المعارضة، والانسحابات، وتشكيل تجمعات وهياكل تنظيمية جديدة. ووجود عدم الثقة بين الدول الداعمة للإرهاب وبين هذه الهياكل الورقية في الخارج والداخل، فهي تعيش في أوهام وأحلام إسقاط الدولة السورية.

العدد 1107 - 22/5/2024