«الكمّون».. مصدر «متوقف» للقطع الأجنبي

يعد نبات الكمونcumin) ) من النباتات الطبية والعطرية التي تحتل مكانة هامة عالمياً في الإنتاج الزراعي والصناعي، فهو يعد ثاني أكثر البهارات استخداماً على النطاق العالمي بعد الفلفل الأسود، وهو من مجموعة عشرة نباتات الأعلى استخداماً كعلاجات طبية شعبية على مستوى العالم لعلاج طيف واسع من الأمراض والاضطرابات الصحية، وهو ما يجعل له دوراً اقتصادياً هاماً لعدد من الدول، وشجع على زيادة الاستثمارات في زراعته وصناعته لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة، حتى بات يحتل مكانة كبيرة في التجارة الدولية، وفي سورية يأتي الكمون في المرتبة الأولى على قائمة النباتات الطبية والعطرية من حيث اتساع مساحة زراعته وإنتاجيته وتأمينه مصدر دخل جيد وفرص عمل للمزارعين وللسكان الريفيين، عدا عن كونه مادة زراعية هي الأعلى سعراً بين المواد الزراعية في السوق المحلية والأكثر تصديراً للأسواق العالمية، تعد سورية من الدول الرئيسية المنتجة للكمون، إضافة للهند وإيران وتركيا، وتصدره لنحو 45 بلداً كان أهمها عام 2010 المغرب، مصر، السعودية، بنغلادش.

زراعة وانتشار

نبات حولي شتوي، ثماره بنية مصفرة، لها رائحة عطرية وطعم لاذع، يتكاثر بالبذور، وهو محصول قصير العمر إذ لا تتجاوز دورة حياته ثلاثة أشهر، تبدأ زراعته منتصف كانون الثاني وحتى منتصف شباط، ويُحصد خلال شهر أيار، ويزرع بمعدل 12-15كغ/ هكتار، ويتراوح مردود الهكتار نحو 1-2طن، ويزرع الكمون في المناطق الجافة الهامشية فهو متحمل جيد للجفاف وتنجح زراعته بعلاً في الترب الحمراء ومروياً بالترب الصفراء الخفيفة أو المتوسطة، ويزدهر تحت ظروف مناخية تكون درجات الحرارة فيها نحو 25 درجة المئوية، ويتأثر نموه بارتفاع الرطوبة، وتنمو النباتات جيداً في المناطق التي تترواح فيها معدلات الهطول المطري السنوي بين 250-400 ملم، إذ أن جذوره سطحية غير عميقة ولذلك لا يستهلك الكثير من مياه الأمطار. يزرع الكمون في عدد من المناطق السورية، ولكن تتركز معظم زراعته في حلب، إدلب، حماة، الرقة، حمص، حيث يزيد إنتاج هذه المحافظات مجتمعة عن 96% من إنتاج الكمون السوري، ويعد الكمون أهم من ثروات الفوسفات والملح الصخري والرمال الكوارتزية، إذ ان مجمل الانتاج السوري من هذه الثروات الثلاث مجتمعة لم يتجاوز 4 مليارات ليرة سنوياً، إضافة أن الكمون السوري يعتبر من أجود الأنواع عالمياً من حيث نوعيته وفوائده، وتعتبر محافظات (حلب، حماة، إدلب، الرقة، الحسكة) من أفضل المناطق لزراعته في سورية، وبلغت المساحة المزروعة بالكمون للموسم الزراعي 2013-2014 بحدود 42600 هكتار بنسبة تنفيذ 98% من المساحات المخططة لزراعته.

أرقام ولكن

شهدت المساحات المزروعة بالكمون في السنوات الآخيرة تبايناً كبيراً بسبب تذبذب الأسعار المحلية والعالمية والجفاف واستبدال زراعة الكمون عند انخفاض أسعاره بزراعة محاصيل أخرى، وهو ما أدى لإنخفاض مساهمته في الصادرات الزراعية، وبلغت إنتاجيته منذ عام 2003 حتى 2014 على التوالي وفق أرقام حصلت عليها (النور) من مديرية الإنتاج النباتي: 47534 ،21776،29849 ،34329 ،19914 ،10245 ،23107 ،29427 ،30788 ،31444 ،19725 21887/طن، بمتوسط إنتاجية 500كغ/هكتار، كما بلغ وسطي مساهمة صادرات الكمون 1,1% من إجمالي قيمة الصادرات الزراعية السورية للفترة 2008-،2010 في حين كانت نحو 5,7% في الفترة 2001-،2003 وبذلك انخفض معدل النمو السنوي لصادرات الكمون خلال الفترة 2001- 2010 بنسبة 16% للكمية، و12.7%  للقيمة، وفق تقرير (التجارية الزراعية السورية) الصادر عن المركز الوطني للسياسات الزراعية لعام 2011). كما تناقص وسطي كمية صادرات الكمون من 34 ألف طن في الفترة الأولى إلى نحو 14 ألف طن في الفترة الثانية، كذلك تناقصت القيمة من 82.8 إلى 38 مليون دولار على التوالي، وقد ترافق ذلك مع ازدياد كبير في قيمة وحدة الصادرات التي بلغت وسطياً 2422 دولار/طن في الفترة الأولى إلى 3113 دولار/طن في الفترة الثانية.

وبلغت كمية صادرات الكمون ذروتها عام 2006 بنحو 165 ألف طن، أما أقصى قيمة فكانت عام 2007 بنحو 163.5مليون دولار، وبلغت الكمية 5 ألف طن عام 2010 بقيمة 22 مليون دولار لتسهم بـ 0.8% من إجمالي الصادرات الزراعية للعام نفسه.

ومن ناحية اخرى انعكست الأزمة التي تعيشها سورية على زراعة الكمون وأسعاره عالمياً لتوقف الصادرات السورية منه تقريباً، وقد وصل سعره لنحو 1.93دولار للرطل الواحد مرتفعاً بنسبة 28% عن سعره قبل الأزمة، واستقر مؤخراً على حدود 1.48دولار.

استخدامات عديدة

يحتل الكمون موقعاً ريادياً في إعداد الكثير من الوجبات الغذائية حيث يستعمل كنوع من التوابل يعطي نكهة مميزة للطعام، كما يستخدم في تحضير الأدوية ومعالجة عدة أمراض كمغص الأطفال وآلام الروماتيزم وأوجاع المعدة ومعالجة الحصى في الكلى وإيقاف رعاف الأنف…، كذلك يستخدم في تحضير بعض أنواع العطور والمواد التجميلية، أيضاً يمكن تصنيع الكمون والإفادة من الكسبة الناتجة عن التصنيع كعلف للثروة الحيوانية وهو ما يكسبه قيمة مضافة أثناء التصدير، ويساعد في تخزينة لفترة أطول.

خطوات لابد منها

تؤكد الأرقام والإحصائيات السابقة الأهمية الاقتصادية لهذا المحصول مع وجود إمكانيات كبيرة لتطوير إنتاجه وتصديره، وجعله محصولاً تجارياً مدراً للدخل، ومصدراً مهماً للقطع الأجنبي، بدءاً من العمل على تطوير تصنيع منتجات الكمون بالمواصفات المطلوبة عالمياً وتصديره مما يزيد قيمته المضافة، والعمل على تخفيض تكاليف الإنتاج من خلال توسيع البحث العلمي في مجال زيادة إنتاجية وحدة المساحة ومكننة هذا المحصول، مما يسهم في زيادة الانتاج وتحسين الانتاجية لأنه من المحاصيل المربحة مقارنة بغيره.

مع العمل على زيادة المساحات المزروعة بهذا المحصول ضمن الخطة الزراعية، والاهتمام بدعم المزارعين وتوفير مستلزمات الإنتاج والتصنيع والإرشاد والوقاية، وذلك عن طريق جهاز الإرشاد الزراعي المنتشر على مستوى القطر لتوعية المزارعين بأهمية هذا المحصول.

إن الأزمة التي تمر بها سورية اليوم قد انعكست على الكثير من القطاعات الاقتصادية، ومنها الزراعية، لكننا بحاجة لخطوات فعالة وآليات جيدة للعمل تذلل كل الصعوبات وتُسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني، والتأكيد على ضرورة الحل السياسي وتأمين الأمن والأمان كخطوة أولى لبدء دوران عجلة الاقتصاد من جديد، ووضع نهج اقتصادي يعيد للزراعة مكانتها المفقودة بسبب السياسات الاقتصادية السابقة في العقد الماضي.

العدد 1107 - 22/5/2024