بإرادة الأمهات.. ستنهض سورية فينيقاً للمحبة والسلام!

 لعلّ أغلب الأمهات السوريات تنتظرن بِلَوعة أن يكبر أبناؤهن أمامهن، لعلّ كل أم تنتظر بفارغ الصبر فرح زفاف ولدها، إلاّ أن تلك الأم اليوم تكتفي بالنظر إلى الصور الملتقطة من أجهزة الهاتف النقال لأولادها في المهجر، أو بالوقوف أمام صور الحائط المزينة بالربطة السوداء، تُكلم الولد الغائب عن الدنيا، تخبره أحوالها وتشكي له قسوة الحياة، أو تسأله: لمَ خرجت..؟ وأنا أقول لكَ لا تخرج ربما هناك تفجير آخر؟ وأخرى تقول له: أنت شهيد الواجب، نَمْ بسلام بجوار الرب! وغيرها تقول: من قتلك..؟ من خطفك..؟ من حرم عيني من نور وجهك؟؟ وأخرى تقول يا ليت يومي كان قبلك!.. وغيرهن من تنظر إلى الصورة بتأوّه داعيةً: الله يفكّ أسرك يابني!

هذه هي الأم السورية خلال السنوات الست، جلِيسة تُحاكي الصور، تنتظر الفجر مشرقاً بوجه ابنها العائد من خلف القضبان، أو من أيدي الخاطفين، فأي عيد يا أمي وكلٌّ منّا في بلد..؟

أيُّ عيد وقد أصبحت نساء سورية قصة لخنساء جديدة؟ أيُّ عيد والقهر والجوع والذل بات يلاحقك يا أمي..؟ فكم من طفل ضُرِبَ أمام أمه لمجرد اختلاف المنطقة وهي لا ملاذ لها إلاّ الدمعة خشية الرد.

لمليون سبب، علينا أن نعشق عمرنا خجلاً من دمع أمهاتنا.. خجلاً من سهرهن طول الليل على مرضنا، قلقنا.. خجلاً من حملهن لنا بين أحشائهن تسعة أشهر… فمن حرم أمي الضحكة؟ أي حرب ملعونة سرقت حلم أمي الأبيض وألبسها عليّ الوشاح الأسود..؟ ماذا يحمل المستقبل للأم السورية بعد أن تنتهي الحرب- إن انتهت- الذكرى الممزوجة بالأسى، فالفرح غاب مع من غابوا، تغلغل مع القهر الممزوج بلقمة خبز معجونة من قمح روّيَ دماً بدل الماء، وأحلام اتشحت بالأسود بدل الوردي! فماذا علينا أن نفعل نحن الأمهات…؟ هل نقف مكتوفات الأيدي أمام ويلات الحرب..؟ هل نجعل اليأس ملاذنا والدمعة سلوانا..؟ أم ننطلق للحياة بعيون خضراء، نبدأ من جديد نحضّر لمستقبلنا ومستقبل أولادنا، فمن مات لن يعود إنما تبقى الذكرى، ولنجعل من الذكرى الجميلة رسالة أمل لغدٍ مشرق، ننتظر الغائب بالشوق، نصنع من اليوم رصيف الغد، لذا من هنا، ولبناء سورية المستقبل، سورية الحضارة،

نحتاج جميعنا إلى نقلة نوعية تؤثّر في مستوى الوعي الجمعي للأمة، إلى هزة في الضمير، تبدأ انطلاقتها من أطفال في عمر الورد، وتلعب الأم المربية والمدرَبة دوراً قائداً في تنشئته، لأن الأم مدرسة، وعلى المثقفات من الأمهات أن يقمن بتنمية الأفراد وزيادة ثرواتهم(الثروة الفكرية والمادية متلازمتان طبعاً..) كذلك علينا وعليك أيتها الأم السورية نشر الحب والتسامح والمحبة، باعتبارها مشاعر ورسائل أساسية لبناء سورية الحضارة، وأن تنسي وتنسفي من فكرك عبارة، كيف لي أن أتعايش مع قاتلي، وقاتل أبنائي، وعائلتي أو أن أحبه؟؟؟ وتذكري أن المحبة والتسامح شيء مهم وأمر لا بدّ منه إن كنا نريد العيش معاً. لذا علينا نحن الأمهات السوريات أن نتطلّع إلى المستقبل المشرق الجديد ، بعد أن نطفئ بيدنا وبيد براعم المستقبل من الجيل الوردي نيران الحرب، من أجل السلام في بلد السلام، علينا أن نزرع أغصان الزيتون ونضعها بأيدي أطفالنا ترنيمة سلام نرسلها للعالم بمحبة.

فهنا أقول لك أيتها المرأة السورية العظيمة التي أنجبت أباطرة عظاماً.. يا من كنت الأكثر معاناة في هذه الأزمة أن تحافظي على عظمتك وإيجابيتك التي عرفناك بها خلال العصور.. فمن خلالك فقط نبني سوريتنا الحبيبة التي ستشع نوراً على العالم، إذ لا يمكن بناء بلد عظيم بامرأة مُحطّمة وأفراد ضعفاء. دورك الآن عظيم بالتحوّل وتحويل الآخرين من ثقافة القتل والحقد والكراهية والإقصاء والهدم، إلى ثقافة المحبة، والتسامح، والعيش المشترك، والبناء، فأنت المحبة العطرة، أمل وفل يفوح عطراً.. فسورية ستنهض بأمهاتها فينيقاً يصفق بجناحي سلام في بلد المحبة والسلام.

العدد 1105 - 01/5/2024