في عيدكن.. دعن أبناءكن يفخرن بكن!

 حظيت الأم على مرّ العصور بمكانة عالية جداً، لكونها أصل العطاء ورمز الخصب والحب إلى درجة نكران الذات أحياناً مقابل أبنائها الذين أنجبتهم من روحها قبل رحمها.

ومهما تناولنا عطاء الأم لأبنائها نبقى أسرى التقصير وعدم القدرة على إيفائها حقها، وتحديداً الأم السورية التي برهنت للعالم أجمع أنها قد مثّلت كل تلك الرموز والأمثلة، فجسدتها حقيقةً واضحةً لما تقدمه بلا كللٍ ولا مللٍ ولا نبرة تأفّف، مهما تراكمت الضغوط والأعباء على كاهلها، لاسيما في السنوات الأخيرة التي نعيشها وتعيشها البلاد إثر الحرب الشعواء الدائرة والتي لم تبقِ على شيء، ذلك أنها تؤدي جميع الأدوار في آنٍ معاً، فهي الأم التي تربي وتبني وتسهر، والأب الغائب المعيل والحامي من كل خطر، وهي الممرضة والمعلمة و… إلخ، وفوق كل هذا هي الأم الثكلى التي تودع أبناءً نفد عرقها وقهرها في تربيتهم لتراهم رجالاً يحققون لها حلماً نشدته منذ نعومة أظفارها، فيما هم خرجوا على أمل العودة لكنهم لم يعودوا… بل ربما عادت بعض ملابسهم أو أمتعتهم معتقةً بروائحهم الندية، وربما لم ينل هذه الأم شيءٌ من آثارهم، وكأنها لم تنجب ولم تربِّ ولم ترهم أمامها يكبرون…

غالبية أمهات بلادنا مثالٌ صارخٌ لكل ما سبق، إلاّ أن بعض النماذج من الأمهات تخلين عن رسالتهن الأزلية ورمين أبناءهن وأسرهن خلف ظهورهن ومضين في غياهب الحياة، بحججٍ وذرائع مختلفة، ليس أولها الوضع الاقتصادي المتزايد سوءاً وعدم قدرتها على تحمّل كل نتائجه وتبعاته، وليس آخرها أنانية بعضهن ورغبتها بحياةٍ تعتبرها رغيدةً من خلال اهتمامها بنفسها فقط دون الاكتراث بمن خلفتهم وراء رغباتها ورمتهم في مهب رياحٍ لا أول لها ولا آخر…

فإن أخذنا الصورة من الناحية الشخصية البحتة، يمكننا أن نجد لها كل المبررات، فهي بالنهاية إنسان له احتياجاته ومتطلباته ومن حقه أن يلبيها بما يتناسب مع شخصيته ورؤاه، لكن إن نظرنا إلى الأمر من جانبٍ آخر، لا يمكننا إلاّ أن نُلقي كل أشكال اللوم على من تقوم بذلك، فحينما تقرر الواحدة منا أن تصبح أماً يجب أن تكون متنبّهةً إلى أن جوانب عدة من حياتها لم تعد ملكاً لها وحدها فقط، فهناك الأبناء الذين لم يختاروا بملء إرادتهم المجيء إلى هذه الحياة أو أن تكون هذه أو تلك هي أمهم، ولهم كل الحق في الرعاية والاهتمام والعطاء حتى يتمكنوا من الوقوف على أقدامهم في مواجهة الحياة بكل تجلياتها، وشئنا أم أبينا ومع أهمية دور الأب في رعاية أبنائه وتربيتهم، إلاّ أن الدور الأساسي والحقيقي هو للأم، لكونها أمّاً، ومن هنا لا أجد أي مبررٍ لأية أم تخلت عن رسالتها ورعاية أبنائها، الذين إن فقدوا الأم لم يعد لأي شيءٍ في الحياة أي معنى، وهذا ما يحصل لأولئك الأبناء والأمثلة على تبعثرهم وتشرذمهم وتشتتهم كثيرة جداً…

في عيد الأم اليوم، وفي هذه الظروف التي لم يعشها إنسانٌ من قبل، أتمنى لكل أم العمر المديد حتى ترى أبناءها أمام ناظريها وقد شبّوا في الحياة ليواصلوا دربها ومشوارها، ويكمّلوا ما بدأته، كما أتمنى من بعض الأمهات أن يفكّرن قليلاً بما سيخلفه تخلّيهن ورحيلهن عن أبنائهن وأسرهن، ويسترجعن بعض ذكرياتهن مع أمهاتهن وكيف عشن وترعرن، لربما استفاق لديهن الشعور بعظمة الأمومة وأهميتها، ومدى روعة العطاء لمن هم من الروح قبل الرحم، لمن هم امتداد لكل واحدةٍ منهن، فلتدعن أبناءكن يفخرن بكن أمهاتٍ على مر الزمان…

العدد 1105 - 01/5/2024