خبزنا المهدَّد: عن الدعم.. والخصخصة.. وحقوق عمال الإنتاج!

لأن الأمر يتعلق بالخبز، الذي كان يوماً ما خطاً أحمر، ولأننا ندرك صعوبة الظروف، ومن ذلك استمرار الحصار والعقوبات الاقتصادية، ولأن السياسات التي أوصلت بلادنا إلى هذه الأزمة/ الكارثة مازالت على الأغلب معتمَدة، أو على الأقل لم يوجّه لها رسمياً انتقاد، ولم يجر فعلياً الابتعاد عنها، فإننا نجد ضرورياً أن نوضح موقفنا:

أولاً- نحن ندافع – ولا ندّعي أننا وحدنا في ذلك- عن لقمة العيش، أو ما تبقى من لقمة العيش لملايين السوريين، ونرى أن من حقهم أن يصلهم رغيف الخبز بأعلى مستوى من الجودة، فالسوريون عموماً يتحملون منذ عشرات السنين (منّة) الحكومات المتعاقبة و(جميلـ)ها، بأنها تقدم لهم الخبز مدعوماً.. ورغم أنها ضاعفت سعر الخبز 3-5 أضعاف، فإنها مازالت تعرض في وسائل الإعلام وأمام مجلس الشعب أرقاماً هائلة لتكاليف دعم الخبز وحده، وهذا يقتضي أول ما يقتضي أن تكون الحكومة، بمفاصلها ومؤسساتها وشركاتها، هي الأكثر حرصاً على أن تقدم هذا الرغيف لمواطنيها بالمستوى الأعلى من الجودة. أما أن تذهب الحكومة – حسب تصريح وزير التجارة الداخلية للزميلة (الوطن) المنشور صباح الأحد 22 آذار- إلى تحميل المواطنين تبعات (عجزها) عن مكافحة تهريب الدقيق والمتاجرة به، أو أن تسعى إلى (زيادة إنتاجـها) 15%، على حساب جودة الرغيف، فهذا ما يمكن أن يسمى(عذر أقبح من ذنب)!

وأن يكون الدعم ذريعة لسوء النوعية، فهذا ما لا يتسق مع منطق ولا مع مبدأ أو هدف.

ثانياً- نحن ندرك أن في البلاد اتجاهاً وتياراً، ربما يكون جارفاً، بدفع باتجاه أن تكفّ الدولة يدها عن أي شأن اقتصادي، وأن تكتفي بتقديم التسهيلات للمستثمرين، وبضمان أمنهم، وكأنما هذه البلاد وما فيها ومن فيها ملكٌ لهذا النفر من المستثمرين، أو أنهم ورثوها أباً عن جد.. وأن علينا أن نشكرهم كثيراً لأنهم يقبلون أن يستثمروا ثرواتنا. ومعروف أن كثيرين منهم استثمروا واستفادوا من التسهيلات والإعفاءات، وحين بدأ الحصار رحّلوا أموالهم واستثماراتهم وراحوا هم أنفسهم بعد ذلك بعيداً عن سورية التي احتضنتهم، ومعروف أيضاً أن بعضهم قد استثمروا (اقرأ: سرقوا) ثرواتنا وشفطوا مدخراتنا ومازالوا.. وماذا يقدمون بالمقابل؟! إذا قدموا شيئاً فإنهم يقدمون أسوأ الخدمات بأعلى الأسعار.

إذاً، لأننا ندرك ذلك، فنحن حريصون كل الحرص على أن تستمر الشركة العامة للمخابز في تشغيل أفرانها، وزيادة خطوطها وإنتاجها، وافتتاح أفران جديدة، وكذلك شركة المطاحن وغيرها من الشركات والمؤسسات العامة، على أن يرتقي إنتاجها وجودة عملها إلى المستوى الذي يليق ببلادنا وشعبنا.. فنحن مازلنا نتفاخر بأن سورية كانت تطعم الإمبراطورية الرومانية قمحاً منذ ألفي سنة، فما لنا صرنا نستورد القمح والطحين وغير ذلك من مستلزمات حياتنا اليومية؟

ثالثاً- الشركة  العامة للمخابز يزيد عمرها ربما على خمسين عاماً، ومع ذلك قد يفاجأ البعض حين يعلم بأن نصف عمال الأفران الآلية أو أكثرهم مياومون، فلا تأمينات اجتماعية لهم، ولا طبابة ولا ضمان صحياً، ولا استقرار، ومطالب هؤلاء وكذلك مطالب العاملين المثبتين في الأفران الآلية معروفة لدى إدارة الشركة، ولدى الوزارة.. وظلت الحكومات المتعاقبة – لحكمة ما- تزيح ملف هؤلاء جانباً، فلا هي وسّعت الملاك، ولا هي تجري مسابقات، ولا ترفع نسبة الحوافز والمكافآت، ومن ذلك مثلاً منحهم تعويض الأعمال الشاقة والخطرة، لتغريهم بالاستمرار وتؤمّن لهم الاستقرار وتراكم الخبرة وتحسن الأداء والجودة.

ولذلك فإننا نضع قضية هؤلاء أمام القيادة الجديدة للاتحاد العام لنقابات العمال.

سيبقى رغيف الخبز هاجساً لنا، وكذلك إنصاف العاملين بإنتاجه.. وسنتابع.

العدد 1105 - 01/5/2024