حذار من الوقوع في ضبابية الإعلام

يُعتبر التلفاز الأب الثاني في الأسرة, لأنه موّجه لكل أفرادها من الطفل إلى الشيخ, إذ كان الوسيلة التربوية المرئية التي تقوم الدولة من خلالها بنشر التوعية في المجتمع عن طريق برامج موّجهة لمختلف الشرائح والطبقات. وهذا طبعاً كان يلقى صدىً كبيراً لما كان للتلفاز من مكانة لدى الجمهور من الأعمار كافة. لكن، اليوم، أمام تعدد المحطات الفضائية وتعدد وسائل الاتصال والتواصل، وكثرة الصفحات الإعلامية على مواقع التواصل وما تسهم فيه بنقل الخبر, أين أضحى التلفاز المحلي، وخاصة في الأزمة السورية.. ؟؟ وأين يكمن دوره  في نقل الخبر؟ وما مدى متابعته من قبل الجمهور السوري ؟ وإلى أيّ حد هناك مصداقية سواء بنقل الخبر أو تلقيه من قبل الجمهور؟ طبعاً نرى يومياً في النشرات الإخبارية للقنوات السورية التقدم الكبير الذي يحققه الجيش العربي السوري على المجموعات الإرهابية المسلحة، حسب الوصف الرسمي. إضافة إلى كشف الحقائق عن الأدوار التي باتت تلعبها دول عربية وغربية ضدّ هذا البلد، وغيره من الأمور الكثيرة.
على الجانب الآخر، نرى المحطات المُضلّلة، كما يصفها الإعلام السوري وإعلام الدول المؤيدة له، والتي تواصل تغطية الأزمة السورية عبر نشرات مستمرة حول ما يجري على الأرض السورية، مُستعينة بمراسلين ميدانيين لا صلة لهم بالإعلام بتاتاً، أو كما يسمونهم )الناطقون باسم تنسيقيات الثورة في مختلف المحافظات السورية)، حتى أنهم باتوا المصدر الوحيد لتلك القنوات بسبب منع دخول مراسلين لها إلى الأراضي السورية، باستثناء الدخول غير القانوني لبعض المراسلين التابعين لقنوات عربية معينة, كل ذلك لم يمنع من تواتر الأخبار عبر استخدام وسائل الاتصال الحديثة التي ساهمت في نقل الصورة من جميع أنحاء سورية إلى العالم. وإذا كانت الجهات الرسمية تصف ما يحدث في سورية بالمؤامرة الكونية، فإن تلك القنوات تقول إن ما يجري في سورية ثورة ضدّ الظلم والطغيان، وتُسخّر كل إمكاناتها المادية والبشرية للنصر في تلك المعركة, بل إن هناك من يقول إنه لو لم تغطِّ القنوات العربية والأجنبية الأحداث السورية بهذا الشكل لارتكب النظام مجازر فظيعة بحق الشعب السوري(حسب تصورات المعارضة المسلحة).

وكذلك بتنا نرى أن هناك الكثير من التدليس الإعلامي المُغرِض الذي يبدو نشاطاً استخباراتياً أكثر منه نشاطاً إعلامياً, هذا النشاط المخالف لروح مهنة الصحافة وأهدافها السامية يوقعنا في إشكاليات كبيرة، ولكن ما دام هناك ممولون لهذه النشاطات، فعلى الضمير المهني والأخلاقي السلام. لم يتوقف الأمر على نقل الخبر سواء عبر التلفاز أو الراديو أو حتى المحطات الفضائية التي توالي سورية أو تُعاديها, بل هناك صفحات على وسائل التواصل تقوم بنقل الأخبار بطريقة غير مهنية, وبصورة تتبع مباشرة إلى سياسة الصفحة مع أو ضدّ, كما أن هناك أشخاصاً في الخارج والداخل يعتمدون بشكل مباشر على تلقي الخبر وتبنيه عن طريق هذه الصفحات الفيسبوكية وبشكل مبالغ فيه, وأخيراً يبقى السؤال هنا: ما ذنب المواطن السوري في الداخل والخارج في الحرب الإعلامية التي تتواصل بين الإعلام الرسمي من جهة والعربي والأجنبي من جهة ثانية؟ حرب إعلامية تجعله تائهاً ومُتخوّفاً من المستقبل، لا يعرف من يصدق, بل إن المشاهد العربي في كل بقاع الأرض بات يُشكّك في ما ينشره الإعلام السوري والإعلام المضاد أيضاً، لأنهما باتا في قلب حرب مصيرية يسعى كل منهما إلى تحقيق النصر فيها بأي ثمن كان، حتى ولو على حساب دم الشعب السوري ومستقبله، وسيادة البلاد ووحدة أراضيها وشعبها.

فأين نحن وأطفالنا من أخلاقيات الإعلام بشكل عام، بما ترسمه لنا من مستقبل غامض حسب ما تحمل بيدها من الألوان..؟ وحذارِ حذارِ أيها السوريون من الوقوعِ أسرى ألوان الأعلام  المتعددة التي يبقى أخطرها اللون الرمادي، لأننا جميعاً تُهنا بضباب الحقيقة.

العدد 1105 - 01/5/2024