«خمسون ظلاً للون الرمادي» للبريطانية «إي.إل.جيمس» الرواية الأكثر مبيعاً وجدلاً في الغرب

 تصدرت الكاتبة البريطانية (إي.إل. جيمس) بروايتها (خمسون ظلاً للون الرمادي) للأسبوع الثالث والعشرين على التوالي قائمة (نيويورك تايمز) للروايات الأكثر مبيعاً، سواء للنسخ الورقية أو الإلكترونية خلال الأسبوع الأخير.

وفى المركز الثاني، جاءت روايتها: (خمسون ظلاً أكثر قتامة)، فيما احتلت رواية (خمسون ظلاً طليقاً) لهذه الكاتبة البريطانية الظاهرة المركز الثالث للأسبوع التاسع عشر على التوالي.

ومنذ عدة أشهر و(ثلاثية) (جيمس) تعدّ الكتابَ الأكثر بيعاً في العالم، فقد بيع أربعة ملايين نسخة منه حتى الآن عن طريق دار نشر (راندوم هاوس) البريطانية، إضافة إلى خمسة عشر مليوناً وزعت في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في ثلاثة أشهر منذ تاريخ صدور الرواية. كذلك أصدرت طبعة إضافية لتلبية احتياجات السوق البريطانية ضمت مليونين وخمساً وسبعين ألف نسخة. إنها أسرع رواية للبالغين – وتحديداً الفتيات الراشدات والنساء – في المبيعات على الإطلاق.

وهو ما يعني أن مبيعاتها قد تجاوزت كل ما حققته الكتب السبعة لسلسلة (هاري بوتر) الشهيرة من أرقام باهرة قبل ذلك. كما تراجعت أمامها بشدة رواية (شفرة دافنشي). وقد قدرت مكاسب (جيمس) بأكثر من مليون دولار أسبوعياً خلال ذروة نجاح عملها.

وبلغة الأرقام فإن رواية (خمسون ظلاً للون الرمادي) وحدها تجاوزت مبيعاتها حتى الآن ال(31 مليون) نسخة في (37) دولة، وعدة لغات مثل الألبانية والفيتنامية والصربية فضلاً عن الروسية والصينية.

طفرة غريبة في عالم الكتابة الحسية حَدَتْ هذه الأرقام بأولئك الذين يحسبون أنفسهم على معسكر الثقافة الجادة للتساؤل بقلق عظيم: (هل يؤشر ذلك إلى حقبة في الثقافة يطيح فيها الغث بالسمين، وينتصر المزيف على الأصيل، وتطرد فيها العملة الرديئة العملة الجيدة، كما هو الحال في السوق والاقتصاد؟!).

وهو ما يعني أن الأمر تحول بالفعل إلى ظاهرة بل ومعركة ثقافية ساخنة في الغرب، معركة تثير العديد من التساؤلات والكثير من علامات الاستفهام حول عمل يرى الكثير من نقاد الأدب في بريطانيا والغرب ككل أن (ثلاثية) هذه الكاتبة البريطانية مهما حققت من مبيعات مذهلة ستبقى نموذجاً للأدب المكشوف والرخيص، ولن يكتب لها الخلود في عالم الأدب.

ذلك أن الرواية – كما يرى النقاد – كتاب جنسي، وليس كتاباً فيه بعض المشاهد الجنسية، ذلك أن مشاهد (جيمس) الجنسية في الرواية ليست عرضية، بل هي العقدة، وهي جوهر الصراع، ومفتاح كلا الشخصيتين الرئيستين أو إحداهما.

وتوصف الثلاثية الروائية ((خمسون ظلاً للرمادي)، و(خمسون ظلاً أكثر قتامة)، و(خمسون ظلاً طليقاً)) بأنها مثال صارخ للكتابة الحسية الشهوانية أو (الإيروتيكية)، لما تحويه من نزعات (السادية) و(الماسوشية) في العلاقات الحسية.

يقول (إيوان موريسون) في صحيفة (الغارديان) البريطانية: (إنك إذا ما أغلقت باب قبو على حفنة من مدمني ثقافة البوب ومسلسلات التلفزيون، وأخبرتهم أن النهاية قد حانت وعليهم أن يقولوا كلمتهم للأجيال المقبلة عبر كتب يؤلفونها، فإنهم لن ينتجوا سوى هذه النوعية من الكتب).

ويجيب موريسون عن سؤال طرحه هو بنفسه: (هل تشكل رواية (خمسون ظلاً للرمادي) حقاً خطراً على الثقافة؟) فيقول: (عندما رأى أن على أصحاب الأبراج العاجية أن يتنازلوا قليلاً عن رطانتهم ويسعون لفهمٍ أفضل لرجل الشارع ولغة الجماهير والأسباب التي تدفعها لكل هذا الإقبال على أعمال مثل سلسلة (إي.إل.جيمس).

تقول الكاتبة الفرنسية (كاثرين ميليه): (بالنسبة إليَّ، فإن الكتاب الإباحي فعال، فهو مكتوب ليساعدك على أن تشعر بالإثارة. إذا أردت التحدث عن العلاقة الجنسية في رواية أو أي كتابة طموحة، اليوم، في القرن الحادي والعشرين، يجب أن تكون صريحاً، لا يمكن أن تستخدم الاستعارات بعد الآن).

وفيما استبدت نشوة المبيعات بمسؤولي دار النشر التي صدرت عنها (الثلاثية) حتى إن إحداهم وهي (سوزان ساندوم) رأت من حسن طالعها أن تكون طرفًا في هذه التجربة الاستثنائية بكل المقاييس في عالم النشر. فإن الناقد (أندرو هاجان) قال في مجلة (لندن ريفيو أوف بوكس): (إن الثلاثية طفرة غريبة في عالم الكتابة الحسية أو الأدب المكشوف، والأهم أنها تثير الكثير من التساؤلات حول سر مبيعاتها المذهلة).

وأضاف هاجان: (إن القراء أقبلوا على هذه الثلاثية الحسية كأنهم لم يقرؤوا من قبل، وكأن المرأة لم تتحرر أبدًا ولم تحصل حتى على حق التصويت في الانتخابات!).ولا تخفي المؤلفة (إي.إل.جيمس) ذاتها أنها لم تكن تتوقع لروايتها كل هذا النجاح المذهل بلغة أرقام المبيعات، بل إنها أقرت في مقابلات صحفية بأن كل ما حلمت به كان مجرد رؤية كتبها معروضة في المكتبات، ولم يُدُرْ في خلدها أبداً أن تصل أرقام المبيعات إلى هذا الحد غير المسبوق.

انحطاط في مجرى التاريخ الثقافي الغربي..

من السهولة بمكان الاستسلام لغواية الانضمام إلى المندِّدين بظاهرة الكتابة (إي.إل. جيمس) وكتبها التي تحقق أعلى المبيعات، واستنكار التحولات الرديئة في الرؤى والأمزجة. لكن الأمر – كما يقول موريسون – ليس بالجديد على أي حال، فعالم الثقافة والكتاب على وجه الخصوص عرف ويعرف تقلبات الأطوار والمراحل، وكذلك النزوات والأهواء والبدع.

وإذا كان البعض لا يتورع عن وصف هذا النوع من الكتابة ب(أدب الجماهير)، فهو في عيون البعض الآخر من عناصر النخب الثقافية الغربية أشبه بحضيض الانحطاط في مجرى التاريخ الثقافي الغربي، معتبرين أن تلك الكتابة الحسية الفاقعة ليست سوى توليفة لعينة من التجهيل وتملق الغرائز والبحث عن وهم النجومية بأرخص السبل وأقبحها، والعدوان على جماليات الكلمة.

فهذه النوعية من الكتابة استهلاكية بأسوأ المعاني، وتفتقر إلى الأصالة، بل إنها مضادة للأصالة وتعادي بالضرورة الإبداع الحق. ومن ثم فهي كارثة على الثقافة عندما تتصدر أعمال تنتمي إلى هذه النوعية من الكتابة قوائم مبيعات الكتب على مدى أسابيع طويلة، ويتحول من كتبها إلى (ظاهرة) من منظور عالم النشر وأرقام مبيعات الكتب.

وبين أنين الساخطين وشهقات المعجبين يبدو أن معركة رواية (خمسون ظلاً للون الرمادي) بل (ثلاثية جيمس) ككل، ستستمر ما دامت (الثلاثية) مستمرة في تصدر قوائم أعلى مبيعات الروايات. ولعل أحد الأسئلة التي تثيرها تأملات هذه المعركة: (إذا كان من المتفق عليه أن الغرب عرف بتحرره إلى حد الإباحية في قضايا الجسد، فلماذا كل هذا الإقبال النهم على هذه الثلاثية ؟!..هل هي أزمة خواء روحي ؟!..أم ماذا ؟!).

العدد 1105 - 01/5/2024