عمال العالم يحتفلون

يذكّرنا الأول من أيار اليوم العالمي للعمال بالبيان الشيوعي الذي حبَّره مفكّران عظيمان هما: (كارل ماركس وفريدريك انجلز) عام 1848 في منتصف القرن التاسع عشر، ويكون قد مضى على صدوره 167 عاماً.

لقد تعددت الثورات في العالم منذ ذلك التاريخ.. نجحت ثورات وفشلت أخرى.. نهضت طبقة وغابت طبقة.. وتداخلت الطبقات الاجتماعية التي حددها البيان الشيوعي. ورغم تطور الرأسمالية العالمية وتعدد أجنحتها وتقلّب مواقفها وسياساتها، وحصارها للطبقة العاملة  والفقراء وتكديس الأرباح من فضل القيمة.. والتحول الكبير من العمل العضلي إلى العمل الذهني ، خاصة بعد الثورة الثالثة (ثورة الاتصالات).. رغم ذلك،  ورغم تعدد الاحتمالات والرؤى لباحثين ومفكرين ليبراليين جدد ورأسماليين، والقول بأن دور الطبقة العاملة سيضعف تدريجياً مع التطور الصناعي وأتمتة الإنتاج وثورة الاتصالات والعولمة الأمريكية.. لكن لن يتوقف النضال العمالي العالمي وصراع الطبقات مهما تقوّلوا وأبدعوا من نظريات وفلسفات. فالنضال لن يتوقف ضد الاستغلال والاضطهاد والقمع والبطالة ومن أجل تأمين فرص العمل، وتحسين حياة الكادحين، والتعليم المجاني لأبنائهم، وتأمين رواتب التقاعد والطبابة والحياة الكريمة، وحرية الإضراب والتنظيم وتأسيس النقابات للدفاع عن حقوقهم، وإصدار التشريعات والقوانين العصرية الديمقراطية.

لقد كان البيان الشيوعي، ولا يزال، ركيزة رئيسة في الماركسية، وزوَّادة فكرية للأحزاب الاشتراكية والتقدمية والشيوعية.. وأن عدم نسيانه ووضعه في الأدراج مهمة أمام الشيوعيين والتقدميين والمهتمين بالماركسية وبالطبقة العمالية والكادحين.. أليس ما جاء في البيان الشيوعي ما يزال صالحاً لهذا الزمن وللزمن القادم؟

لقد حلل البيان واقع الطبقات ودورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأبرز المضاربة والتعارض بين البرجوازيين أنفسهم والأزمات التجارية الناتجة عنها، التي تجعل أجور العمال أكثر تقلباً باستمرار. أما التحسين المتسارع المتنامي والمتواصل للآلة، فيزعزع باستمرار الوضع المعيشي للعمال ويزيد المصادمات  بين العامل الفرد والبرجوازي الفرد، وتتخذ أكثر فأكثر طابع المصادمات بين طبقتين، وعندئذ يبدأ العمال في تأليف اتحادات نقابية ضد البرجوازيين، ويتكاتفون للحفاظ على أجور عملهم، ويؤلفون جمعياتهم الدائمة تحسّباً لانتفاضات محتملة.

وفي كل عام يحتفل ملايين العمال في سورية والعالم بهذه المناسبة، باعتبارها عيداً للطبقة العاملة العالمية. ولا بدَّ من التذكير بتاريخ البدايات التي تتكرر كل عام تعبيراً وتقديراً لنضال الطبقة العاملة في هذه المناسبة. ومن الضروري جداً أن يقرأ البيان الشيوعي أيضاً، والاطلاع على التجارب النضالية الكفاحية التي سطَّرها العمال والفلاحون والكادحون ومن يعدّ نفسه الطليعة المتقدمة لهم ويقف إلى جانبهم، قراءة مقارنة بين زمن صدور البيان الشيوعي وهذا الزمن. ورؤية ما جرى من تطور بين تاريخ الصدور وهذا القرن.. وكيف تحوَّل العالم إلى (قرية صغيرة).

لقد ولدت الفكرة في أستراليا عام ،1856 إذ قرَّر العمال هناك تنظيم يوم للتوقف الكامل عن العمل والمطالبة بيوم عمل من ثماني ساعات.

وتنامت الأفكار والإرهاصات الأولى منذ أن شكلت الجمعيات والنقابات، أول نواة لتنظيم نقابي عمالي في شيكاغو عام 1869 أطلق عليه اسم (فرسان العمل)، ثمَّ تشكلت القيادات العمالية عام 1886 بعد نضال عقود طويلة ومعاناة وتضحيات كبيرة، من أجل حرية التنظيم وتحسين المعيشة وحرية الإضراب وتطوير القوانين الناظمة لحياة العمال. وحُدّد أخيراً أن يكون الاحتفال في الأول من أيار عام 1890.

ويأتي أول أيار هذا العام بعد مرور أربع سنوات ونيّف على الأزمة السورية، والجيش العربي السوري يقاتل المجموعات المسلحة والإرهابيين ببسالة، ويحقق هزيمة لهم في عديد المناطق السورية.. ويقف الشعب السوري والقوى الوطنية والتقدمية وجميع الوطنيين المخلصين إلى جانب جيشنا. وتشكل الطبقة العاملة السورية السند القوي للقوات المسلحة في مواقع العمل والمؤسسات الإنتاجية، رغم ما أفرزته الأزمة من بطالة وتشرد وتهجير لمئات الألوف، خاصة من القطاع الخاص، وما خربته المجموعات التكفيرية من المعامل الإنتاجية، وما سرقته من مصانع وآلات وباعته بأثمان زهيدة لتجار الحروب والمرتزقة الأتراك وسماسرة القتل والتدمير.

لقد ساهم العمال الشيوعيون والبعثيون والتقدميون والوطنيون منذ الثلث الأول من القرن العشرين في تأسيس النقابات في ورش ومعامل النسيج والطباعة وغبرها، وقادوا الإضرابات العمالية ودخل الكثيرون منهم سجون الاستعمار الفرنسي والأنظمة الديكتاتورية لتحقيق مطالب العمال، ومنها: ثماني ساعات عمل في اليوم، الطبابة المجانية، تعويضات إصابة العمل، السكن العمالي، حرية تنظيم الجمعيات والنقابات.. والنضال السياسي ضد الاستغلال والاضطهاد ومن أجل الاستقلال والحرية والسيادة وضد السياسة الاستعمارية الفرنسية وغيرها الكثير.

عاش نضال العمال العالمي.. عاشت الطبقة العاملة السورية المناضلة من أجل حقوقها المشروعة.. وعاش اليوم العالمي للعمال.

العدد 1107 - 22/5/2024