تقدم هامّ.. كيف نواصل؟

الوثيقة التي صدرت عن لقاء موسكو2 في الأسبوع الأول من نيسان الحالي، المنعقد بين ممثلين عن الحكومة السورية وعن بعض الشخصيات والتنظيمات المعارضة في الخارج والداخل، والتي صدرت بالإجماع تحت عنوان (تقييم الوضع السياسي الراهن في سورية)، هي وثيقة تعبر عن حصول نقلة في التفكير السياسي للمعارضين المشاركين، الذين كان بعضهم إلى الأمس القريب يضع شروطاً، للحل السياسي أو لمكافحة الإرهاب، صعبة التحقيق، وأصبح اليوم يؤكد ويركز على التسوية السلمية ويدعو إلى الضغط على الإرهابيين وعلى من وراءهم من دول لإيقاف الإرهاب الذي تتعرض له سورية، وإلى رفع الحصار والعقوبات الاقتصادية التي أنهكت شعبنا قبل أن تنهك السلطة، ويدعو كذلك إلى الحفاظ على السيادة الوطنية، وتعزيز المصالحات الوطنية، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية بل وتطوير أدائها، وإلى اتخاذ إجراءات فعالة لضمان عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم.

وتعبّر هذه الوثيقة أيضاً عن أداء سياسي واقعي للدبلوماسية السورية وإحساس عالٍ بالمسؤولية، فشعبنا أنهكه الإرهاب والذبح والتجويع والقهر الذي مورس عليه من قبل المتدخلين والمرتزقة الأجانب وحُماتهم.

والسؤال الآن: هل أصبحنا نرى النور في آخر النفق؟ وهل نستطيع أن نبني آمالاً عريضة وتفاؤلاً كبيراً على أساس ما جرى الاتفاق عليه في موسكو من منطلقات سياسية مشتركة؟

نعم، إذا ما أعملنا الاستنتاجات المنطقية، ولكن هل كل ما جرى ويجري يتفق مع المنطق؟ فإذا كان هدف من عارض وحمل السلاح هو تحقيق مطالب شعبية سياسية واجتماعية واقتصادية معينة، فالطريق إليها أصبح معبداً أكثر من أي وقت مضى، والآلية التي ستُعتمد لمواصلة مسيرة الحل السياسي عبر جنيف ،3 كما نتوقع، والمستندة إلى جنيف 1 وما سيسبقها من مبادرات وإجراءات، ستفسح المجال للجميع أن يشارك في الحوار السوري – السوري القادم للوصول إلى هدفه وإحداث التغييرات التي يتفق عليها بطرق سلمية، والانتقال إلى جنيف3.

وإذا كانت غاية من حمل السلاح تحقيق أجندات خارجية، والاستيلاء على السلطة، لتنفيذ المخططات الاستعمارية الرامية إلى إدخال سورية ضمن دائرة التبعية لها ومصادرة قرارها الوطني المستقل، وتدمير مؤسساتها وتاريخها وتراثها العظيم، فإنه لن يجد وطنياً سورياً واحداً مستعداً للجلوس معه على مائدة المفاوضات.

أما الحكومة السورية فهي أيضاً ليست معفاة من تقديم مبادرات حسن نية، باستمرار ودون ملل، وعليها أن تفتح صدرها لكل معارض وطني يوافق على المنطلقات السياسية التي أُقرت في لقاء موسكو،2 وأن تفسح له المجال أكثر فأكثر للتعبير عن رأيه.

ومطلوب من الحكومة أيضاً أن تترافق مساعيها السياسية والسلمية مع سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والديمقراطية، وأن تحزم أمرها على الأخص في مسألة مكافحة الفساد المستشري الذي أصبح الحديث عنه هو الشغل الشاغل للسوريين، وكذلك في مسألة الإفراج عن الموقوفين السياسيين من معتقلي الرأي.

مرحباً بكل سوريّ يدافع عن وجود سورية بمواجهة التنظيمات الإرهابية، وبكل وطنيّ يهمّه وقف سفك الدم السوري، وإعادة وطننا الحبيب سورية إلى سابق مجده وعزته.

العدد 1105 - 01/5/2024