تقسيم جامعة دمشق.. إلى أين؟

لم يكن قرار تقسيم جامعة دمشق هو القرار الأول ولن يكون القرار الأخير الذي تختلف حوله الآراء وتتباين وجهات النظر، ولكن مكانة جامعة دمشق، الجامعة الأعرق في سورية، هذه المكانة التي اعتادت على التميّز دائماً، حتّمت أن يكون لجميع الآراء صدى.

فقد صدر قرار من مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 7/3/ 2017 بالموافقة على مقترح وزارة التعليم العالي الذي تضمّن ما يلي: (وافق المجلس على تقسيم جامعة دمشق إلى جامعتين تحت مسمى جامعة  دمشق الأولى، وجامعة دمشق الثانية، نظراً للعدد الكبير الذي تستوعبه الجامعة إن كان لجهة عدد الطلاب وعدد الكليات أيضاً، بما يحقق الخدمات الأفضل للطلاب والكادر التدريسي). وقد أعلنت الحكومة أنها تطمح من خلال تنفيذ هذا القرار أن يكون تقسيم الجامعة خطوة جديدة في سبيل تطوير العمل وارتقائه، وانعكاس هذا التطوير إيجاباً على مستوى التعليم في جامعتي دمشق الأولى والثانية.

وأنّ توجهها الجديد لتقسيم جامعة دمشق إلى جامعتين (جامعة دمشق الأولى) و(جامعة دمشق الثانية) في إطار قرارها بعدم تجميد الملفات المهمة لمزيد من الوقت وترحيلها إلى الأمام، وخاصة أن موضوع تقسيم جامعة دمشق، التي تعد بين أكبر خمس جامعات على مستوى العالم لجهة عدد الطلاب، مطروح منذ سنوات، وتناقلته عدة حكومات من دون أن تتخذ قراراً فيه، على أن الأهم في الموضوع هو ما يمكن أن ينطوي عليه التقسيم من حالة تطويرية تنسجم مع توجيهات السيد رئيس الجمهورية بإعادة الهيكليات وتنظيم المؤسسات بما يرفع من مستوى أدائها ويجعلها أكثر فاعلية وقيمة.

إن جامعة دمشق تضم 55 كلية ومعهداً موزعة على محافظات دمشق وريف دمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء، ونظراً للضخامة الكبيرة في أعداد الطلاب المسجلين في جامعة دمشق، الذين بلغ عددهم رقماً كبيراً للغاية، إضافة إلى توزعها على خمس محافظات، ارتأت رئاسة جامعة دمشق أن تقسيم الجامعة سيكون حلاً ومعالجة لهذه الضخامة، التي أثّرت سلبا على كفاءة تأدية المهام الإدارية والبحثية في الجامعة.

الآراء التي توافق التقسيم..تعارض المبدأ

وقد كثرت الأسئلة التي حاولت الاستفهام عن مدى جديّة هذا القرار وفائدته، كما تنوّعت الآراء بين معارض وموافق له، وكان د. وائل معلا، رئيس جامعة دمشق سابقاً، قد نشر في إحدى الصحف مقالة طويلة، جاء في نهايتها: (أردنا أن نوضح أن قرار تقسيم جامعة دمشق العريقة إلى جامعتين أو أكثر هو قرار خطر على مستوى التخطيط الاستراتيجي لقطاع التعليم العالي في سورية، ويجب بالتالي أن يستوفي حقّه كاملاً من الدراسة العميقة، ومن التقييم الكامل لآثاره المتعددة على مختلف فعاليات الجامعة الإدارية والتعليمية والبحثية، وكذلك على منزلتها الإقليمية والعالمية. كما لا بد من دراسة متأنية لكل الخيارات الأخرى المتوافرة لتحقيق الأهداف المرجوة من عملية التقسيم، وتقييمها تقييماً دقيقاً لاتخاذ القرار الأنسب لجامعة من وزن جامعة دمشق وتاريخها، وفي الظرف التاريخي الدقيق الذي تمرّ به سورية وما يترتّب على ذلك من تحدّيات كبيرة على منظومة التعليم العالي أن تتصدى لها).

إذاً مادامت الدعوة إلى تقسيم الجامعة تهدف إلى تخفيف ضغط الطلاب عنها، فكيف سيفيد التقسيم في تخفيف هذا الضغط، مادامت نسب القبول والطلاب ذاتها، ومادام لا يوجد جامعة أخرى أو  بناء آخر للجامعة التي ستحمل اسم جامعة دمشق الثانية؟

الطلاب بين القرارات والتطبيق..لا حول لهم ولا قوة

قسم كبير من الطلاب لم يستطع التحديد أو معرفة ما إذا كان هذا القرار لصالحهم أم لا، فقد قالت نوار (طالبة في قسم اللغة الفرنسية): نحن كطلاب لا نستطيع التمييز بين إيجابية هذا القرار أو سلبيته، فما يهمّنا هو أن يكون مكان دوامنا وامتحاناتنا قريباً علينا، وخاصة في ظل هذه الأوضاع الأمنية التي نعيشها، وصعوبة المواصلات وكلفتها الغالية.

يارا (طالبة في قسم اللغة الإنكليزية) تقول: إن كان التقسيم من حيث نقل قسم من الطلاب إلى جامعة أخرى، في بناء آخر، فإنه سيكون سلبياً علينا كطلاب، من حيث المسافة أو تغيير المكان. أحد مدرسي قسم اللغة العربية في جامعة دمشق عبّر عن رأيه في هذا الموضوع بأن قال: (الفكرة صحيحة من ناحية المبدأ، ولكن آلية التّقسيم هي التي تحدد إيجابياتها أو سلبياتها، فلو قسّمت الجامعة إلى جامعتين أولى وثانية، وبقي بناءا هاتين الجامعتين موجودين ضمن الحرم الجامعي، فإنّ فكرة التّقسيم لن تكون قدّمت أي جديد أو أي إيجابية في هذا المجال).

دكتور آخر يرى أن : (هذا الموضوع هو كل متكامل، فكما سيخفف الضغط عن الجامعة من ناحية أعداد الطلاب، فإنه أيضا سيخفف عليها من ناحية أعداد الإداريين، والكادر التدريسي، هذا لا يعني إلغاؤهم، بل نقلهم والاستفادة من خبراتهم في الجامعة التي تحمل اسم جامعة دمشق الثانية).

أحد أساتذة علم الاجتماع تساءل: (ما الفائدة إذا بقيت كلية الآداب والعلوم الإنسانية تضم أكثر من 61 ألف طالب بأقسامها التي تناهز 25 قسماً؟) وأضاف: (التقسيم على أساس كليات نظرية وأخرى علمية لن يعطي النتيجة المرجوة).

ولكن مما يزيد الموضوع غرابة، أنه وبعد كل الصمت عن التصريح من قبل رئيس جامعة دمشق ومن وزير التعليم العالي، فإن رئيس الحكومة عماد خميس بيّن في أحد الاجتماعات أن تقسيم الجامعة هو تقسيم هيكلي إداري فقط. أي أنه لن يتغير أي شيء على الطلاب، ولكن المعني بالتغيير هم الموظفون، والقائمون على كليات جامعة دمشق.

تقسيم الجامعة لن يكلف خزينة الدولة أي تكاليف مادية

وزير التعليم العالي كان من أشد المدافعين عن مشروع التقسيم، فقد أكد أن معظم الهواجس التي تدور في أذهان البعض ليست في محلها، لافتاً إلى أن الغاية من التقسيم إعادة هيكلية الجامعة، وليس تقسيمها بالمعنى السيئ للكلمة، وأن جامعة دمشق ستبقى كما هي بشعارها ومكوناتها، ولن يؤثر هذا الأمر على مكانتها أو سمعتها العلمية، لأن سمعة أي جامعة مرتبطة بمخرجاتها وسوية خريجيها، وليس بعدد طلابها أو حجمها، مشيراً إلى أن تقسيم الجامعة لن يكلّف خزينة  الدولة أي كلفة مادية.

ومهما كانت الآراء إيجاباً أم سلباً فإن فكرة التقسيم، لو أخذت بمنحى آخر قد تكون إيجابية لصالح الطلاب أولاً، ولصالح الكادر التدريسي والهيكلي للجامعة، بحيث يكون هذا المنحى بإنشاء جامعة ثانية حقاً، جامعة مستقلة بفروعها كاملة أو بأغلب الفروع. فمثلاً الأقسام الصغيرة التي يمكنها استيعاب الطلاب فيها لا داعي لوجود أقسام لها في الجامعة الثانية، على عكس الأقسام الكبيرة التي تحتوي أعداداً ضخمة، على سبيل المثال كلية الآداب التي تتضمّن أعداداً كبيرة من الطلاب، حين يتم إنشاء كلية آداب ثانية في الجامعة الثانية فإنه سيكون هناك تخفيف ضغط عنها.

العدد 1107 - 22/5/2024