لأنك سورية.. ولأنها أمريكا..!

لأنكِ سورية، بكل ما تحملين في أعماقك من كنوز التاريخ والحضارة..

لأنكِ مهد اللغة والفنون والفكر الإنساني الذي دفع بأحد المستشرقين ليقول ما معناه:

( لكل إنسان وطنان: وطنه الحاضر وسورية)

ولأنكِ سورية الشامخة أبداً بأبنائها..

كنتِ عبر التاريخ وما زلتِ قبلة لهجمات الغزاة والطامعين..

كنتِ سورية وما زلت وستبقين مخرزاً في عيون الحاقدين..

وبقيتِ على المدى سورية العزيزة والمنيعة بتنوعك البشري والطبيعي والحضاري..

صحيح أن العدوان الأمريكي الذي طال بلدنا فجر الجمعة الماضية جعلنا نغرق في بحور القهر على تدمير مقدراتنا العسكرية والبشرية، لكن القهر الأعظم هو من أولئك الذين هللوا للعدوان رغم أنهم سوريون. كان أكبر، لأنه لا يمكن لإنسان يحمل أي ضمير أو انتماء أن يفرح ويُهلل للعدوان على بلده حتى لو كان في خانة المعارضة.

في زمن الهمجية هذا، وفي ظلّ التغوّل والتوّحش الرأسمالي، لم يعد من معنى لمفردتَي موالاة ومعارضة، فالحرب المُستعرة منذ ما يُقارب السنوات السبع لم تميّز ما بين موالٍ ومعارض، بل جرفت في طريقها كل مقومات الحياة والإنسانية، وكذا هذا العدوان، هو لم يُقدم خدمة للمعارضة بقدر ما يخدم أطماعه ومخططاته وأمان إسرائيل في المنطقة.

ومهما اشتد دجى زمن العولمة والرأسمالية المتوحشة، المُتكالبة دوماً على ثروات الشعوب، فإنه لا بدّ سيأتي زمن تنتصر فيه إرادة الشعوب المقهورة والمُستعبَدة، وتعيد للحياة بعض عدالتها التي اغتالتها إمّا النظم الحاكمة الديكتاتورية، وإمّا أطماع الغرب الرأسمالي الذي لا يريد لتلك الشعوب أن تنهض من قاعها وبؤسها وتخلّفها، بل يريدها منبعاً لبنوكه وسوقاً لمنتجاته، وقبل هذا وذاك، يريدها مُنقذاً من أزماته المالية التي تعصف بكيانه، فيشعل لأجل ذلك الحروب التي تستهلك مخازن أسلحته وعتاده من جهة، وتُبقيه متسلّطاً وسيّداً على كل شعوب الأرض.

تُقدّر تكلفة الضربة الأمريكية الأخيرة على سورية بحوالي 94 مليون دولار، وبالتأكيد فإن دول الخليج والسعودية هي أحد مصادر خزائن أمريكا والغرب الرأسمالي، لاسيما فيما يتعلق بالسلاح ودعم المرتزقة الذين يقاتلون في مختلف أنحاء العالم تحت لوائهم منذ الحربين العالميتين حتى اليوم، وإن اتخذت عبر الزمن أسماء وعناوين متعددة ووهمية كمحاربة الإرهاب التي تتزعمها أمريكا اليوم، والتي تركت بلدان المنطقة غارقة في بحور من الدماء والخراب والتخلّف، مما أعادها كلها سنوات وسنوات إلى الوراء، سواء في مجال الاقتصاد والتنمية والعمران أم في غيرها. وأهم ما في الأمر هو التشرذم الاجتماعي الذي أفرزته هذه الحروب، يحتاج بالتأكيد إلى عقود وعقود كي يتمكن من ترميم البنية النفسية والاجتماعية لشعوب تلك البلدان.

فلو فكّرت جميع الأنظمة العربية، وعلى رأسها أنظمة السعودية والخليج، بأن ما يملكونه من ثروات ونفط، يمكن أن يجعلهم لو أحسنوا استغلال ثرواتهم قادرين على الوقوف في وجه أمريكا وسواها، وإجبارها على التخلي عن عنجهيتها وغطرستها من جهة، ومن جهة أخرى لكانوا في مقدمة البلدان المتطورة على مختلف الأصعدة والتي يُحسب لها ألف حساب وحساب…

لكن للأسف، كل هذا محض وهم وخيال، سيُبقي الشعوب البائسة تدفع ثمن استهتار حكّامها وطمع أعدائها.   

العدد 1107 - 22/5/2024