الحرب… وسيلةٌ لنفض الغبار عن هشاشتنا

 يحمل الإنسان خلال سني عمره جملةً من الأخلاقيات والمسلكيات المكتسبة من التربية البيتية المستمدة أساساً من منظومة القيم الأخلاقية والمسلكية الاجتماعية التي تشكل ناظماً اجتماعياً لتلك العلاقات التي تسود بين الناس، ومع مرور الأيام تتعزز تلك المسـلكيات أو يخفّ البعض منها تبعاً للتجارب الشخصية، إنما ما غُرس بشكل عميق وحقيقي وثابت في الشخصية لا يمكن لأي تجربة مهما كانت صعبة أو غريبة أن تغيره أو تمحوه، أما إن كان ما يحمله الشخص مجرد شعاراتٍ وتعابير دون إسقاطها على أرض الواقع فهو لا محال زائل وبأهون الأسباب.

ومن هنا أرى أن جملة المسلكيات التي بانت وتوضحت مؤخراً في مجتمعنا، لا سيما في السنوات الأخيرة، والتي تبتعد غالباً عما كان سائداً فيما قبل الحرب، هي في حقيقة الأمر كانت موجودة في الظل، نخبئها ونخاف من إبرازها بحكم التفكير الأعم الذي كان سائداً وفقاً للقيود والأعراف الاجتماعية، أما وأن الحرب قد عرت كل شيء فينا وكل ما حولنا وخلخلت البنية المجتمعية بكل ما تتضمنه، فإن ما كان في الظل خرج وبقوة إلى النور غير آبهٍ بشيءٍ كان فيما مضى يحسب له حساباً، فبات الناس لا يهتمون إلا لما يتناسب ومصالحهم الذاتية الضيقة، حتى ولو تعارضت هذه المصلحة مع المحيط أو شوهته أو أصابته بأذىً، أياً يكن ذاك المحيط، ولربما كان أقرب الناس أولاداً أو أهلاً أو…..

إذاً، فالحرب لم تكن سوى وسيلة لإزالة القشور الواهية التي كانت تغطي كل ما بان وطفا مؤخراً، ولأننا في أساس تربيتنا نخاف من المواجهة والتعبير الصريح عن الذات ورغباتها ومتطلباتها، فإننا نتذرع بهذه الحرب المهولة على أنها هي السبب في كل ما يجري، متغافلين أن نقف ولو مرة واحدة أمام مرآة أنفسنا ونتعرى ونعلن حقيقة ما بداخلنا.

لا أنكر أن آلة الحرب فرضت الكثير من الأمور التي كانت مستهجنةً في وقتٍ سابق، إلا أن ما هو أصيل في الشخصية لن يتغير مهما تعرض لمخاضات وهزات، ومهما تنوعت أمامه المغريات وتعددت سبل الإغواء، بينما كل ما هو هش سيبحث عن أي سبب ليتذرع به ويعتبره سبباً لتلك الهشاشة… لذا، مع كل الدمار الذي ألحقته بنا هذه الحرب الشعواء، إلا أني أجد بها جانباً إيجابياً ألا وهو أنها نفضت الغبار عن كل ما هو زائف وغير أصيل في شخصياتنا وقناعاتنا وأفكارنا… أزالت كل القشور عنا جميعنا، فتبين كل منا على حقيقته التي تعرت بالكامل..

العدد 1107 - 22/5/2024