حول مشروع التقرير السياسي للمؤتمر

 جرت العادة لدى تقديم برامج الحزب اتباع التبويب للمواضيع (الوضع الداخلي، العربي، الدولي)، مما كان يؤدي إلى التركيز على مواضع العناوين، وما اتبع في هذا التقرير كان مختلفاً كما رأيت، مثلاً استعرض المشروع ملخصاً عن معظم التقارير ومواقف الحزب التي صدرت من الحزب خلال السنوات الخمس تقريباً، ورغم أهمية ذلك فقد أدى إلى الإطالة والتكرار.

لدى الحديث عن سورية، وكيف كانت ملاذاً لكل المضطهدين على مر العصور، وتمت الإشارة على سبيل المثال إلى الأرمن من الأقوام التي هاجرت من شمال القفقاس. رأيت أنه ربما كان من المفيد الإشارة إلى الأقوام الأخرى أيضاً، كالشراكسة والداغستان والأبخاز والشيشان والأوسيتين، كما رأيت استخدام كلمة المهجّرين بدل المهاجرين، لأن هؤلاء لم يهاجروا من أوطانهم طوعاً، بل هُجّروا قسراً من قبل القيصرية الروسية وبتشجيع وتآمر من الإمبراطورية التركية.

حول ما ورد في الصفحة الأولى من التقرير بأن سورية قبل الأزمة هي الأمن والأمان وفسيفساء التعايش والمحبة والإخاء بين جميع أبنائها ومكوناتها المجتمعية والدينية والطائفية والعرقية، ثم يقول: لقد انزاحت هذه اللوحة السورية الزاهية.. أرى مثل هذا الكلام ربما يتداوله البعض من بسطاء الناس الذين لا يتعاطون السياسة والشأن العام، وتساءلت: كيف سيتلقى هذا التوصيف الإخوة الكرد الذين حرموا لأكثر من خمسين عاماً من أبسط حقوق المواطنة (الجنسية)؟ وكذلك المئات من المناضلين الوطنيين واليساريين الذين قضوا عشرات السنوات في السجون، ومن بينهم شيوعيون اختلفت معهم وهم يتعرضون لشتى أنواع التعذيب والإهانات؟! أتصور مثلاً الشيوعيين الذين عانوا من أجل أبسط الحقوق، ومنها حق العمل، لسنوات طويلة كما عانوا من البطش( الشهيد الزعبي أبو فياض، مثلا)، وكيف لم يكن يحق الترشح لأبسط منصب كرئيس لجنة نقابية لمن ليس بعثياً، بموجب القوانين.. إلخ.. عشرات الآلاف من المهاجرين الذين ضجت بهم الدنيا، هؤلاء هل اختاروا هذا المصير خوفاً من بطش الدواعش ولأسباب اقتصادية فقط، أم أن الكثيرين منهم يعرضون أنفسهم لهذه المحنة نتيجة لممارسات الأجهزة الأمنية وما عانوه منها؟ ثم ألا يتناقض هذا مع كل تحليلات الحزب، ومنها ما ورد في هذا التقرير تحت عنوان (العوامل العميقة للأزمة)؟!

الصفحة الثانية بعنوان (الدولة السورية هي الهدف): أرى ذكر حلف بغداد لأنه كان الأخطر على سورية آنذاك.

الصفحة الرابعة (العوامل الداخلية العميقة للأزمة):

1- تحليل جيد ولكنني أرى أن شعار التجارة قاطرة الاقتصاد، كان هو الأخطر في المجال الاقتصادي والسياسي، الذي كان يستهدف فرض ترسيخ هيمنة الطبقة الطفيلية والكومبرادورية اللاوطنية، ولذا أرى من الأفضل التركيز أكثر مما ورد في التقرير وكشف خلفياته.

حول مشروع الشرق الأوسط الجديد، كما هو معروف إنه مشروع أمريكي صهيوني، يجمع التكتيك والاستراتيجية، خاصة بعد أن فشلت التدخلات المباشرة في فيتنام وأفغانستان والعراق، حيث تكبدوا خسائر بشرية ومادية كبرى، كما كانت لها ردود أفعال في بلدانهم تجلت بالتظاهرات الكبرى ضد هذه التدخلات والحروب، فابتدعوا هذا المشروع الجهنمي كتكتيك، وذلك بافتعال الصراعات الدموية الدينية والطائفية والمذهبية وغيرها لإضعاف هذه البلدان وشرذمتها، ليأتوا كمنقذين لتحقيق استراتيجيتهم في الهيمنة على العالم، خصوصاً بعد انهيار التجربة السوفييتية. هذا المشروع الخطير لم يلق الاهتمام المستحق في التقرير، ولم يفرد له سوى ستة أسطر وبلغة غير مبسطة وواضحة، ورأيت من اللازم  إيلاءه اهتماماً أكبر. وتحت هذا العنوان أيضاً ورد مايلي: ضعف النظام العربي، سقوط الجامعة العربية.. أرى هنا اكتفاء بالتوصيف دون التحليل لإبراز الخلفية الفكرية والسياسية والطبقية لتبعية هذه النظم وخلفياتها.. بالعودة قليلاً إلى الوراء وبالعنوان نفسه، السطران الخامس والسادس: أنا لا أعتقد حسب تقديراتي المتواضعة أن الغاية  تكمن في تصدير الرأسمالية لأزماتها بقدر ما هو السعي لحل أزماتها.

بين الحسم العسكري والحل السياسي

لماذا لا نشير إلى أن النظام أيضاً لم يقدم ولم ينفذ أية إجراءات مبدئية سياسية وأمنية، كإطلاق سراح الموقوفين الذين لم يقترفوا جرائم وجرى توقيفهم بمجرد تقارير كيدية، ولم يضع حداً لانتهاكات الأجهزة الأمنية، خصوصاً التعذيب الجسدي الذي يصل أحياناً إلى الموت؟ لماذا لا نشير إلى مسؤولية النظام كما نشير إلى مسؤولية المعارضة، وفي كل الصراعات لا يمكن الوصول إلى حلول إذا تمترس كل طرف بمواقفه؟ والأكثر حكمة والأقوى هو من يقدم التنازلات غير المبدئية طبعاً، ألا يؤدي ذلك إلى تقوية النظام أمام العالم الساعي لمساعدته في الوصول إلى حلول سياسية؟ هل تجاوب النظام مع أية مبادرات وبضمنها مبادرات حزبنا؟ بعد صدور العفو الرئاسي وتشكيل محكمة الإرهاب في عدرا، لا يجري إطلاق سراح أي موقوف إلا من يدفع الرشا بالملايين.

موقف الحزب من الأزمة

السطر السابع: أرى إضافة كلمة (الوطنية) بعد كلمة (المهمة)، كما أرى أن البرجوازية الوطنية الصناعية يمكن إدراجها مع تلك القوى التي سميت بالأكثرية نظراً لدورها الوطني أيضاً، وهذا ينسجم مع مواقف الحزب المعبر عنها في أدبياته وتقاريره.

استدراك بالعودة إلى الربيع العربي وحركة التحرر

لا أرى أن تراجع الحركات والاتجاهات اليسارية والماركسية قد بدأ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وإن كان هذا السقوط شكل نقطة حاسمة في هذا التراجع.

معروف ما أدت إليه الخلافات والانقسامات في هذه الحركات والأحزاب من دور كبير في تراجعها، ومعروف أن الخلافات والانقسامات  في هذه الحركات كانت موجودة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ، كما لعبت دوراً هاماً في ذلك أيضاً الخلافات السوفييتية الصينية.

خاص بالوضع العالمي

كانت التقارير التي تقدم للمؤتمرات خاصة حينما كان الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي موجوداً تخصص للوضع العالمي عنواناً، ويكتب عنه بشكل مسهب، أما التقرير الحالي فلم يأخذ منه سوى أقل من نصف صفحة، علماً أن العالم أصبح أكثر تشابكاً وتفاعلاً، ما يفترض إيلاء هذا الموضوع اهتماماً بما يستحق.

ارتباط الأزمة التي تعيشها سورية بالوضع العالمي أصبح واضحاً، ولو لم يحصل التدخل الروسي لكان الوضع في سورية والمنطقة وربما العالم كله لا أحد يستطيع التنبؤ بما كان سيؤول إليه. ومن هنا أرى أن الاهتمام بالوضع الدولي لا يزال مهماً كما كان سابقاً إذا لم يكن أكثر، خاصة أن مايجري في العالم الرأسمالي ارتباطاً بأزمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أمور هامة، من اللازم لنا،كشيوعيين خاصة وكوطنيين أيضا،ومن الضروري إيلاؤها الأهمية اللازمة ودراستها وأخذ العبر منها، نظراً لأهميتها الفكرية والسياسية والثقافية، خصوصاً بعد انهيار التجربة السوفييتية.

صحيح أن جريدة (النور) تولي هذه الظاهرة الأهمية اللازمة مشكورة، إلا أنه كان من اللازم- برأيي- إفراد حيز معقول لها في هذا التقرير أيضاً. قد أكون مخطئاً ولاشك، إلا أنني لا أستبعد انتقال الحالة الثورية إلى قلعة الرأسمالية الولايات المتحدة، حيث تطورت الرأسمالية إلى أعلى درجاتها وليست البرجوازية الصغيرة المتذبذبة هي السائدة فيها.. أعتقد بأن ما يجري في هذا البلد ليست حالة عرضية، إنما هي حالة تعكس الأزمة العميقة التي تعيشها الرأسمالية، كانعقاد المؤتمرات العديدة في الكثير من أهم الجامعات الأمريكية، يحضرها الآلاف من النشطاء الشباب والنقابات العمالية، وتطرح فيها وكذلك في يافطات مظاهراتهم في الوول ستريت معقل الرأسمالية في أمريكا، الشعارات التالية: الرأسمالية المتوحشة عاجزة عن حل مشاكل الفقر والجوع والحرب والسلام ومشاكل البيئة والتربية إلخ، والأهم من ذلك أنهم يرون أن الحل هو في الاشتراكية، وبعضهم يطرح الاشتراكية، ولكن ليس على النمط السوفييتي، وكذلك تترجم وتطبع الكثير من الكتب الأكاديمية بمئات الصفحات التي تعالج هذه المواضيع وتنفذ من الأسواق بسرعة، والأهم أن قراءها هم من شباب الوول ستريت الذين يعلنون أنهم ضد المجتمع القائم على هيمنة الواحد بالمئة. وفي أوربا الرأسمالية تجري أمور ذات دلالة هامة على أزمة النظام الرأسمالي. ما يجري في اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وما حدث أخيراً في إنكلترا بانتخاب يساري ماركسي رئيساً لحزب العمال البريطاني، وفي أمريكا اللاتينية من اللافت التوجه اليساري والنتائج التي تحققها القوى اليسارية، لا عن طريق الكفاح المسلح، بل عن طريق الخيار الديمقراطي والانتخابات، ألا تستحق مثل هذه الظواهر الجديدة إفراد صفحتين من التقرير؟!

في التحديات والمهام

أرى أن مطالب الأكراد في سورية لم تعد محصورة بالحقوق الثقافية فقط كما ورد، بل هم يطالبون بإدارة ذاتية في مناطقهم، أليس هذا مطلباً شرعياً، ويبدو أن ما صرح به وزير الخارجية وليد المعلم أيضاً يتجاوز الحقوق الثقافية.. وتمنياتي أن لا نكون متخلفين في موقفنا هذا عن مطالب الإخوة الأكراد.

العدد 1105 - 01/5/2024