العمل التطوعي بين جيل الشباب

ثقافة التطوع موجودة لدى كل الشباب السوري، وخاصة في المرحلة العمرية المبكرة، لأن الإنسان بطبعة وبالفطرة لا يستطيع العيش منفرداً، بل يحتاج إلى مجتمع ومجموعة من الأشخاص ليكوّن معهم خلية، وطبعاً لا يولد الفرد ممتلكاً الحقد والكره، إنما هي مشاعر مُكتسبة، والأصل فيه هو الخير.

ولا ننسى أن العمل التطوعي هو أحد الأماكن المهمة لفعل الخير، لأنه يساعد على الإخاء والقيم النبيلة والتكاتف الاجتماعي، ويكفل تنمية المهارات والقدرات الذهنية وتأصيل المبادئ الأخلاقية والتعاطف والتسامح الذاتي ومع الأخر. وقد برز دور العمل التطوعي بشكل كبير خلال الأزمة والهجمة الشرسة التي تتعرض لها سورية من خلال التطوع في المؤسسات الاجتماعية والأهلية والخيرية، ومنها الهلال الأحمر والصليب الأحمر ولجان شبابية ومنظمات أخرى، تعمل كلها ليل نهار وبشكل متواصل بحسٍّ عالٍ بالمسؤولية تجاه وطنها وشغفها وعشقها الكبير لسورية، ودورها وواجبها لرسم الابتسامة على وجوه أطفال وذوي الشهداء والعجزة، والمساهمة في تأمين الاحتياجات الغذائية لهم وللمهجرين، وقد قام هؤلاء المتطوعون بدور مهم تاركين أثراً مميزاً خلال الأزمة، كما كان تطوعهم يقوم على التنفيذ المباشر لخدمات الكساء والغذاء والمعونات المادية والمعنوية لمحتاجيها، إضافة إلى القيام ببرامج العلاقات العامة والتوعية، وكذلك الإرشاد النفسي للأسرة والطفل من خلال المختصين، كما كان لها فعاليات أخرى مختلفة من خلال استقطاب شرائح المجتمع كافة، ومن هذه الفعاليات العمل الخدمي والمؤسساتي  الذي قام به شباب متطوع مثقف وواعٍ، ليُعرّفنا على ثقافة العمل التطوعي بأبسط أشكالها ومفاهيمها في سياق المشاركة والتفاعل المجتمعي، وتقاسم المسؤوليات والإمكانيات في سبيل خدمة الصالح العام.

 ومفهوم التطوع ليس جديداً، إذ لطالما عرفته الحضارات الإنسانية ورسخته الأديان السماوية وطورته تجارب المجتمعات في أوقات السلم والحروب والنزاعات، لذلك تزايدت الحاجة إليه وإلى الخدمات الإنسانية التي تنبثق من المبادرة الطوعية المحضة، وطبعاً فإن العمل التطوعي عنصر هامّ من عناصر المجتمع المدني، وعامل فاعل من العوامل التي تقوي علاقة الفرد بمفاهيم المواطنة والمساواة، وتعزِّز قيم الشراكة وتوزيع المسؤوليات ممَّا يساهم في استثمار الطاقات البشرية وإدخالها في عملية التنمية، وهذا ما نلحظه الآن، وخاصة لدى الشباب المتفرغ للعمل ضمن جمعيات تعمل لأهداف إنسانية محضة، ومنها ما يهدف إلى تقوية مكانها في سوق العمل ودعم مصالحها.

وفي الحالتين ما دامت المساعدة هدفاً، فهي بشير خير ولو بنسب قليلة، المهم أن يبقى العمل التطوعي مُعززاً الخير وروح المحبة باعتباره مبادرة إنسانية اجتماعية، نابعة من إحساس بالمسؤولية وإرادة حرة وموجهة، تترجم من خلال تقديم استجابة فردية، أو جهد جماعي منظم يقع ضمن نطاق الإمكانية عن طريق تقديم ومشاركة وخبرات ومهارات ضمن فريق أو مؤسَّسة أو منظمة مستقلة المبادئ والأهداف، على نطاق محلي أو دولي أو عالمي، دون توخي مردود وعائد مادي، بهدف تطوير المجتمعات الإنسانية والتخفيف من أزماتها والنهوض بإمكانياتها كما نحن اليوم في سورية.

 

العدد 1107 - 22/5/2024