سرقة ونهب.. مع مساحيق تبرج

في بلد اجتاحته الحرب والألم، كل شيء أصبح على ضفاف حرب مزقت الكثير، وخلفت مزيداً من الجراح النازف: أطفال على قارعة الطريق ومشردون، وخيم نزوح وتهجير، وبيوت وأحلام هدمت، وفقر وجوع، وجهل كشّر عن أنيابه أيما تكشيرة. هناك من ضمّد الجراح مِلحاً، ورضي الفقر زاداً، واستنبط طرقاً من المستحيل، ليُطيل مقاومته لتلك الحياة الظالمة، وإذا كان لا بدّ من الموت، فمثل تلك الشجرة اليابسة الواقفة.

كل ما يمر فيه وطننا طبيعي جداً، فهو رد فعل لأفعال سابقة. رغم قساوة المشهد فهو حصيلة تراكمات على مرّ سنين، فعندما نُطعم الأفواه الجائعة نُسكت قرقرات البطون؛ لكن أحدنا أقلّ قدرة على تحمّل الحاجة من الآخر فيمد يديه ليسرق، واللافت للانتباه أن تلك اليدين التي عُلِّقت حريتها كانت تحمل آثار طلاء أنثوي، أجل نساء تسرق وتنهب وتستخدم وجهها اللعوب لتغوي من جهة وتسرق من الأخرى.

أثار إعلان مصدر قضائي نيسان الماضي الكثير من إشارات الاستفهام، فهل تلك طبيعة موروثة في النساء كانت تتحين الفرصة للظهور ولم نشهد لها وجوداً قبلاً..؟ لكن المنطق يقول إن الجريمة ليس لها علاقة بالجنس، أم أن الظروف القاهرة والوضع الأمني المتدهور أجبر الكثير من المعيلات على انتهاج السرقة والنهب مورد رزق. هذا لا يجعلنا نُغفل أن الوزارات المعنية ساهية عن السهر على مشكلات المواطن التي يمر بها وخلق حلول جذرية، كما لا ننسى دور السينما الغربية التي تنشر بقوة فكرة السرقة من خلال أفلام عديدة تزرع من خلالها مشروعية لها كما تتحدث عن سيناريو المرأة السارقة والتي إمّا تقود عمليات سطو مسلح أو تستخدم جاذبيتها لهذا الغرض. لم نكن نسمع عن تلك القصص قبل ست سنوات، فتدهور الحالة الأمنية وخروج مناطق عن سلطة الدولة وتجمع أعداد غفيرة في مناطق صغيرة وسوء الوضع الاقتصادي والفرص شجع جوانب سلبية من شخصية الناس وخلق لهم أعذاراً لأفعالهم، فالسرقة ليست صفة موجودة إنما عادة مكتسبة تغلفها قسوة الزمن، وليس ظهور حالات سرقة النساء في هذه الأيام بمؤشر على تفاقم ظاهرة، لكنه ناقوس خطر يرنُّ بإلحاح يذكرنا أن هناك من يحتاج إلى المساعدة، فالأوطان لا تُبنى بالأقوال بل بالكثير من الأفعال.

العدد 1105 - 01/5/2024