الحكومة والمواطن: غياب مؤشر الرضا

غردت الحكومة بعيداً عن مواطنيها، لم تعتبرهم بوصلتها، ولم تمش خلف قضاياهم. عاندت طموحاتهم، وابتعدت عن همومهم، وتركتهم في لجة الأزمة الاقتصادية الخانقة وحيدين، دون معين، ولم تفتح أمامهم آفاق العون والمساعدة.

 حاولت الحكومة المحافظة على معادلة خاطئة، تتمثل بأن يبحث المواطن عن رضاها، بينما الصحيح هو أن تسعى الحكومة للحصول على رضا الناس. هذا فرق جوهري في الموقف، وفي المنجز، وفي التعاطي. وتستمد الحكومة موقفها هذا، من تاريخ سابق للحكومات المتعاقبة في آليات التعاطي مع الناس، والنظرة الرسمية تجاههم، وتجاهل مطالبهم. لانذكر في التاريخ القريب أن حكومة سورية عبرت عن هموم الناس وتطلعاتهم. ودائماً كانت التغييرات الوزارية تأتي عكس المشتهى، بل في بعض الأحايين أصيب الناس بخيبة أمل من التغيير. وبرز غياب المحاسبة عنواناً أساسياً في عمل الحكومات، وهنا لابد من التوضيح، إذ ليس بالضرورة ربط المحاسبة بالفساد، بل هناك ما هو أعمق، ويتعلق بمدى تنفيذ الوزراء لبرامج عملهم، وخطط وزاراتهم. مَن مِنَ الوزراء يتحمل ولو شكلياً ضعف الأداء في الجهات التابعة له؟ ومن منهم كان قادراً على متابعة هذه التفاصيل؟ من هنا ولد الشرخ الكبير بين المواطن والحكومة، وازدادت المسافة بينهما اتساعاً، والفجوة عمقاً. وعززت الحكومة مواقفها من المواطنين القائمة على قاعدة موقف القوي من الضعيف، موقف يعتمد على رؤيتها الأبوية، ونظرتها الشمولية إلى كل مناحي الحياة. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على خططها، وبرامجها المستقبلية. إذ اعتقدت الحكومات المتعاقبة أنها قادرة على فعل كل شيء، تستطيع تحقيق التنمية بكل أشكالها، وخلق فرص العمل، والاستحواذ على التعليم، وتقديم الخدمات الصحية، إلى جانب دورها في تجارة المفرق، والتصنيع بكل أنواعه ومستوياته. فوضعت لنفسها خططاً لتصنيع أعواد الكبريت وتجميع الجرارات، وللتجارة بالمواد الأساسية والأحذية في الوقت ذاته. ولم يك هذا مثار خلاف، لو وضعت تلك الحكومات البرامج التي تمكنها من تحقيق هذه الأهداف. وغدا تأمين كل شيء للمواطن، يجب أن يمر من تحت أيديها، فتضخم الجهاز الحكومي، وانتفخت الإجراءات، وتعددت المرجعيات، وفي نهاية المطاف ظهر القصور الهائل لديها.

لم تؤسس الحكومات المتعاقبة لعلاقة ثقة مع المواطن، دائماً ثمة حلقة مفرغة تحكم هذه العلاقة المتوترة، والمصابة بالشلل. ويتضح ذلك جلياً، في القضايا المصيرية اقتصادياً، إذ لم تنجح حكومة في تمرير قرار بلا اعتراض واسع شعبياً، وفشلت فشلاً ذريعاً في وضع قرار بعينه، مهما بدت الحاجة ملحة إليه في إطار المصلحة الوطنية، لوجود حالة شك  بين الاثنين. ومن هنا أتى فشلها الاقتصادي، الذي ازداد ازدياداً رهيباً، نتيجة حالة الجفاء في العلاقة مع المواطن. فماذا كنا نتوقع من حكومات لا أهداف اقتصادية وتنموية واضحة لديها، سوى حصاد الريح؟

 أفرغت الحكومات المتتالية معنى المواطنة من جوهرها، وجردتها من معانيها ودلالاتها. واكتفت بإعطاء المواطن صفات تثير التساؤلات، وتعبر في مضمونها عن النهج الحكومي المتعاقب. إذ استندت نظرتها إلى المواطن على اعتباره مجرد مستهلك، أو زبون لديها، أو مكلف ضريبي، شخص يبحث عن الوظيفة في القطاع العام بدلاً من أن يتوجه لتأسيس مشروعه الخاص. قتلت داخله حالات الابتكار والإبداع، وحلت مكانها الاستكانة والترهل، ودفعت به إلى المطارح المسموحة فقط. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس الآن، إذ توجد مغالطات هائلة حالياً في العمل الحكومي، وفي التوجهات، والإجراءات. بدليل هذه الانتقادات الواسعة شعبياً، وبرلمانياً، وأكاديمياً، للأداء الحكومي، ولتعامل بعض الوزراء والمسؤولين من برجهم العاجي، ورسمهم حدوداً ضيقة جداً لتعاونهم مع المواطن. هذه هي النتيجة الحتمية لغياب العلاقة الصحيحة بين الحكومة والمواطن، وتجاهلها لمؤشر الرضا المعتمد عالمياً، الذي ينقذها من كل محاسبة على أخطائها.

العدد 1105 - 01/5/2024