التمرد هو الفعل الذي يميز الأحياء عن الأموات

 إذا أردنا الحديث عن تمرد الأجيال الصاعدة على العادات والتقاليد الاجتماعية، فلعل أحداثاً دامية كالتي تمرُّ بها بلادنا ستساهم إلى حدٍّ كبير في كسر الكثير من الأنماط السلوكية التي تستند إلى العادات والتقاليد، وتغييرها.
ولكن إذا أردنا الحديث عن تمرد الفرد وإرادته لتغيير عادات مجتمعه، وأعرافه، فلا بدّ من التمييز بين منحيين من هذا التمرد:

أولاً- تمرد الأفراد المثقفين التقدميين، وهو تمرد بنّاء واعٍ وهادف وليس عبثياً ومزاجياً.. أي يشبه تمرد أفلاطون وسقراط وفولتير والماغوط والأنبياء.. إلخ.

ثانياً- التمرد كردة فعل على كبح العادات والتقاليد للممارسات الغرائزية وما يناط بها ويقود إليها، كأن تنتقل أنثى من اللباس المحتشم والحجاب إلى اللباس الفاضح الأشبه بلباس المومسات، كردة فعل على ما فُرض عليها من احتشام وحجب لجمالها وأنوثتها لسنوات طوال.

ويتجسد التمرد كردة فعل، في ممارسة المخالفات لما يرغب به المجتمع دون تأمل بجدوى هذه المخالفات أو وجود إطار فكري جامع لها.
وقد يأتي هذا التمرد على شكل سلوك أو نمط لباس.. وقد يُعزى التمرد الصارخ الذي ينتمي إلى فئة(ردة الفعل) إلى عقدة نفسية أو اضطرابات نفسية لدى من يمارسه،
بمعنى عندما تطرح موضة جديدة في اللباس تتنافى مع أعراف المجتمع، فإن أول من يُقبل على ارتداء هذه الثياب يكون قد أطلق صرخة في وجه المجتمع كتعبير عن بغضه له لمجرد كونه يدرك أنه سيثير استهجاناً في الشارع وسيغدو محط أنظار الجميع.

ولعل فكرة التمرد لدى أبناء الجنس البشري، سواء على نظام سياسي بالٍ أو على عادات وتقاليد اجتماعيه بالية هي بالنسبة للذات الواعية المثقفة المدركة، مسألة واحدة وليست مسألتين منفصلتين، فهذا التمرد منبعه حالة تطور فردية تنشد أن تصبح جمعية.
وكلنا يعلم أنه في ظل انتشار العلم والثقافة والفنون التي تساهم في تكريس الكثير من القيم الإنسانية، يتراجع التسلط وتجري مقاومته، سواء تسلط رب الأسرة على أفراد أسرته أو تسلط عائلة حاكمة أو طبقة متنفذة أو أفراد بعينهم أو فئات اجتماعية على بقية المجتمع..
فعندما يدرك الإنسان كم هو كائن فريد وعظيم وكم يتمتع بخصوصية، لن يقبل بالتسلط الاجتماعي أو السياسي الذي يسعى لجعله نسخة مكررة سواء عن الجيل الأسبق أو استنساخه كدمية محشوة بإيديولوجيا النظام أو الحزب الحاكم في بلد ما.. ولعل التمرد يظهر أكثر ما يظهر لدى فئة الشباب، ذلك أنهم (أشخاص قيد الأدلجة) وبالفطرة والوعي يدرك الإنسان أن هناك من يريد تحويله إلى قيمة استعمالية بحيث لا يغدو طاقة خلاقة بقدر ما هو طاقة شابة موظفة لخدمة إيديولوجيا الآخر الذي سبقه إلى هذه الحياة وأرسى هيمنته عليها.
ولكن مع الأسف لأن الغرائز في ذروتها لدى فئة الشباب، فالكثير منهم يقبل أن يكون قيمة استعمالية مقابل الكسب السهل أو الحياة السهلة التي تؤمن له أسبقية للتمتع بملذات الجسد.
ولذلك نجد في الدول المتقدمة الكثير من المبدعين والفنانين والمخترعين، لأن العادات والتقاليد هناك لا تتمتع بقوة ملزمة كما هي عندنا، ولأن الأنظمة الحاكمة ليست قمعية متسلطة ولا تنظر إلى الجماهير كطاقة بشرية للاستعمال والاستغلال من قبل الطبقة المتنفذة القائمة على تحالف العديد من أهل السلطة مع أصحاب الرساميل الضخمة والتجار.

وباعتقادي.. التغيير المجتمعي التقدمي لا يكون بكم ردود الأفعال أو كيفيتها إزاء أنماط حياة أو سلوكيات معينة تفرضها أعراف وتقاليد المجتمع أو السلطة الحاكمة، بمقدار ما يكون عبر وعي ورؤية وثقافة يتحلى بها من يقوم بهذا التمرد.

 

العدد 1105 - 01/5/2024