ندوة عامة أقامتها فرعية المهن العلمية في منظمة حلب للحزب لمناقشة مشروع التقرير السياسي لمؤتمر الحزب الثاني عشر

 أقامت فرعية المهن العلمية في منظمة حلب للحزب ندوة عامة لمناقشة مشروع التقرير السياسي لمؤتمر الحزب الـ 12 ،وقد احتشد في مكتب الحزب عدد كبير من الرفاق والأصدقاء وقدامى الشيوعيين، وحضر الندوة أيضاً وفود من أحزاب وقوى وشخصيات سياسية، ومثقفون وممثلو بعض الفصائل الفلسطينية الموجودة في المدينة وكان النقاش غنياً.

نلخص هنا النقاش والآراء والملاحظات الذي عُرضت في الندوة:

يُستهل التقرير بالعبارة التي وصفت الأحداث في سورية بدقة بـأنها (حرب وطنية كبرى يخوضها شعبنا في سورية…) لتكون بداية وصف تفصيلي مسهب لأسباب المأساة السورية في بعدها الداخلي خاصةً، وأسباب استياء الشارع السوري وبالتحديد فئة الشباب، نتيجة السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وقد وفّق التقرير تماماً في الربط بين القضية الوطنية والسياسات الاجتماعية الاقتصادية وقضية الديمقراطية، شروطاً أساسية متلازمة لنهوض المجتمع السوري في ظل سيادة القانون، للحفاظ على سيادة البلد واستقلاله السياسي والاقتصادي وصولاً إلى تنمية حقيقية، وكان المشروع صحيحاً ودقيقاً في تلمس التحديات الرئيسة أمام بلادنا وصياغتها ومهام الشيوعيين في المرحلة القادمة. وقد ورد أثناء النقاش الأمور التالية:

1ـ المقدمة ذات أسلوب أدبي عاطفي إنساني وطني مؤثر في وصف الحرب على سورية، ولكنها أعطت جواً محبطاً، غاب عنها تلمّس أفاق المستقبل الواعد بإحياء الأمل.

2- رغم أن المشروع قد أكد أن الدولة السورية هي الهدف مما جرى للخلاص منها كمركز للمحور المقاوم للمشاريع الاستعمارية منذ فترة طويلة، إلا أنه عند وصفه للأحداث يرد في أكثر من مكان بأنه (حراك شبابي يرفع شعارات مشروعة ولا ينتمي غالبيتهم للتنظيمات السياسية التقليدية ودون قيادات معروفة) وكأنه مصادفة ولدت هيئات قيادية للحراك كلجان التنسيق وغيرها، وهذا التقييم يبرئ القوة المنظمة والقائدة لما دعي بالثورة السورية، فما جرى لم يكن مصادفة بل مخططاً له مسبقاً، فلا يبرر انتشار الأحداث بسرعة إلا وجود قوة سياسية متمرسة تاريخياً بالعمل السريً وهي تنظيم الإخوان المسلمين الذين لم يكشفوا عن نفسهم إلا بعد بدأ العمل المسلح، وقد اعترفوا هم أنفسهم بأنهم وراء ما جرى في مقابلة على قناة (الأورينت) مع (طيفور، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية)، أما الشعارات فلم تكن ذات محتوى اقتصادي أو اجتماعي، كانت بأغلبها طائفية منذ الأيام الأولى للأحداث، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.

3ـ رغم توصيف التقرير بأن المأساة السورية هي (حرب وطنية كبرى) وأسهب في ذكر أسبابها الداخلية إلا أنه لم يتطرق إلى التدخلات الإقليمية والدولية فيها، ولم يحلل الوضع الدولي قبل الأزمة، ولا التحالفات الدولية الجديدة التي نشأت بعدها والتي تطورت من تحالفات سياسية ذات مصالح اقتصادية إلى تحالفات أمنية وعسكرية بقيادة أمريكا، يراد ضم سورية إليها. فقد كان على التقرير أن يحلل أزمة النظام الإمبريالي العالمي ويفسر سيطرة الفاشية الجديدة عليه، وأن يحدد السمة الأساس للصراع الدولي في السنوات الأخيرة وأن يبين أن هناك مشروعين دوليين يتصارعان، الأول تقف وراءه دول الغرب الاستعمارية الإمبريالية متحالفة مع قوى إقليمية رجعية وقوى إرهابية دينية، والثاني على رأسه روسيا والصين ودول البريكس والدول المتضررة عموماً من العولمة الإمبريالية الأمريكية.

4ـ في فقرة الربيع العربي نجح التقرير بتحليل الأسباب التي أدت إلى نمو الضغط الشعبي و تصاعده ومن ثم تحوله إلى شتاء عربي، وعزا ذلك بشكل أساسي إلى التراجع الذي أصاب حركة التحرر الوطني العربية للأسباب المعروفة، لكن كان على مشروع التقرير عدم إغفال أن سياسة أوباما كانت استمراراً لسياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ولكنها أكثر خبثاً ودهاءً، بتحالفها مع الإخوان المسلمين وإعطائها دوراً أكبر لحلفائها في المنطقة مستخدمةً قوى الإرهاب التي أعدّتها منذ حرب أفغانستان، بتمويل أموال البترودولار، لتمزق بها المنطقة سعياً إلى (الفوضى الخلاقة) التي طرحتها إدارة بوش الابن، وكان على المشروع أيضاً تلمّس خيوط الأمل بربيع حقيقي عربي بدأ بسقوط نظام الإخوان في مصر ثم في تونس، وصمود سورية شعباً ودولةً وجيشاً.

5- مر التقرير سريعاً على دور الدول الإقليمية الحليفة لأمريكا:

أـ لم يذكر التقرير دور تركيا في المأساة السورية، تلك الدولة ذات الحدود الأطول مع سورية والتي كان لها، في حجم التوظيف الأمريكي لها في مشروعها في المنطقة، الدور الأكبر خاصةً في العدوان على سورية الذي بدأ مع صعود حزب العدالة والتنمية (الإخواني) إلى السلطة عام ،2002 فنسق مع المخابرات الأمريكية والسعودية عملية دعم الإرهابيين وتدريبهم ومرورهم إلى سورية، وراهن على إسقاط الدولة السورية وتقسيمها واقتسامها.

ب ـ مر التقرير سريعاً على دور السعودية في المأساة السورية، في حين أنه كان عليه أن يوضح الدور السعودي القذر تاريخياً في المخطط الأمريكي، وذلك بتخريب مجتمعاتنا العربية، فقد دعم تنظيمات دينية تكفيرية إرهابية وموّل عشرات القنوات الفضائية الطائفية، وعمل سنوات طويلة قبل الحرب على سورية على نشر الجهل والتعصب الديني، وعندما انفجرت الأزمة السورية مول وساعد المخابرات الأمريكية في تجنيد عشرات الآلاف من الإرهابيين ونقلهم عبر تركيا إلى سورية.

ج ـ تجاوز المشروع ما فعله الاحتلال الأمريكي في العراق من تفكيك لدولته وجيشه وتداعيات هذا الاحتلال، من تغيير دستوره ونظامه السياسي إلى نظام محاصة مذهبية وقومية لإدخال المنطقة في صراعات دينية أثنية لا تخرج منها لسنوات طويلة، وأهمية ذكر ذلك هو أن هذا المخطط بالذات هو الذي كان مجهزاً لسورية لولا صمود الجيش السوري ومساعدة الحلفاء.

4ـ فيما يتعلق بالجامعة العربية ذُكر في مشروع التقرير عبارة أن (دور الجامعة العربية في الأزمة السورية كان سلبياً)! في حين أنه كان عليه أن يؤكد دورها التآمري في خدمة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في العراق وليبيا، وأخيراً دعم الحرب الإرهابية على سورية، و مطالبتها بالتدخل العسكري الخارجي فيها.

5- لقد لفت الانتباه غياب شبه كامل للقضية الفلسطينية مع أن المشروع اعتبر أن الربيع العربي المزعوم قد غيّب القضية الفلسطينية التي هي البوصلة الأساس لحركة التحرر الوطني العربية. إن إلغاء حق العودة للفلسطينيين وتصفية قضيتهم هو أحد أهم أهداف المشروع الأمريكي، ومن هنا يجب أن يذكر المشروع ويشرح سبب مهاجمة الإرهابيين للمخيمات الفلسطينية في سورية واحتلالها، لإجبار مئات ألوف الفلسطينيين على مغادرتها إلى لجوء ثان لإبعادهم أكثر عن أرض فلسطين وتغييب حق العودة.

5ـ في موضوع (الحل العسكري والحل السياسي):

لاشك في أن الحل السياسي هو الذي سيطوي صفحة ما يدعى بالأزمة السورية، لكن الوصول إليه وترتيبه وآلياته هو الإشكال الذي يبرز في المشروع في أكثر من مكان.

أ- ورد في الصفحة 9 عبارة (ومما لاشك فيه أن التوصل إلى حل سياسي للحرب في سورية سيلعب من ناحية أخرى الدور الرئيسي في القضاء على الإرهاب التكفيري المسلح). إن ما ورد يحب أن يكون معكوساً (فالقضاء على الإرهاب التكفيري المسلح سيكون له الدور الرئيسي في التوصل إلى حل سياسي للحرب في سورية).

ب- كما ورد في الصفحة 12 عبارة (إن إمكانية التوصل إلى حل سياسي تتوقف أخيراً على عاملين أساسيين يؤثر كل منهما في الآخر، الأول هو التوازن العسكري في الميدان…) ومن الواضح أن التوازن المقصود هنا هو التوازن بين الجيش السوري والإرهابيين! إن هذا التوازن لا يخلق أية إمكانية لأي حل سياسي، فالسياسة الأمريكية لم ولن تتخلى عن هدفها بتفكيك الدولة السورية إلا إذا قضي على عملائها في الميدان، لذا يجب أن تكون العبارة: (إن الحل السياسي يتوقف على انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه والقضاء على الإرهاب وبسط سلطة الدولة السورية على جميع أراضي الدولة، وهذا هو الشرط اللازم والكافي لنجاح الحل السياسي وتفشيل المشروع الأمريكي في سورية والمنطقة).

ت- ورد في الصفحة 10 عبارة (وقد بذلت على النطاق العربي والدولي جهود حثيثة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية)! أي جهود حثيثة تلك التي ما كانت إلا مبادرات لحلول مشبوهة ستؤدي بسورية إلى صراعات دموية لا نهاية لها، لقد أفشلت أمريكا كل الجهود السياسية الحقيقية التي تحافظ على الدولة السورية ومؤسساتها ووحدة أراضيها وسيادتها وبالأخص الجهود الروسية منذ بدء الأزمة، والمستمرة حتى الآن.

6ـ غاب عن التقرير الحديث عن دور الدفاع الشعبي، من وحدات الحماية الكردية إلى المتطوعين الآشوريين والسريان والأرمن وأبناء العشائر العربية الذين يقاتلون في خندق واحد مع الجيش العربي السوري، وأخيراً موقف أهلنا في السويداء عندما أحبطوا مخطط الفتنة و قيام شبابها بحمل السلاح ضد الإرهابيين.

7- سؤال موجه لقيادة الحزب؟ ألم نتأخر في رفع شعار الدعوة للانضمام إلى المقاومة الشعبية للدفاع عن الوطن في وجه الإرهاب (رُفع في بداية العام الحالي)، مع أن حزبنا كان مميزاً برفع شعار صحيح لكنه تأخر أيضاً وهو شعار(نحمل السلاح بيد والحل السياسي باليد الأخرى).

8- يجب الإشارة إلى المستجدات الهامة التي برزت أخيراً بدخول روسيا الاتحادية في الحرب على الإرهاب بقواتها الجوية والبحرية، مما انعكس إيجابياً على موازين القوى على الأرض لصالح جيشنا، وانعكس ذلك بشكل ملحوظ وإيجابي على الشارع السوري الذي هلّل للخطوة الروسية الجريئة التي أربكت أمريكا وحلفاءها الدوليين وعملاءها الإقليميين، مما سيؤدي بنتائجه إلى دحر الإرهاب وولادة عالم جديد متعدد الأقطاب سيلجم أمريكا وحلفاءها عن التلاعب بمصير العالم.

9- الأفضل أن يذكر الاسم الكامل للحزب الشيوعي الآخر (الحزب الشيوعي السوري).

العدد 1105 - 01/5/2024