إنها الحرب.. الجيش التركي يغزو ويحتل أراضي سورية.. الشعب والجيش السوري في مواجهة العدوان الآثم

لم يعد في الأمر ما يمكن التستر عليه، إذ لم يعد ممكناً القول إن الهجمة التصعيدية الشرسة التي آلت إلى احتلال إدلب وجسر الشغور ثم تدمر، هي مجرد (انتصار) حققته عصابات الإرهابيين، فالفضائح التي فاحت رائحتها وكشفت عن الإمدادات العسكرية والبشرية الهائلة التي تم بها هذا الاحتلال، والمستمرة الآن وصولاً إلى محافظة الحسكة، قطعت كل شك وأثبتت لكل متردد أن سورية تواجه بمفردها، لا المجموعات التكفيرية الإجرامية فحسب، بل تواجه أيضاً تركيا بشحمها ولحمها، ومن ورائها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية، إمبراطورة الشر في العالم، مهما تفنّنت في النفاق والكذب والمناورة.

قد لا يكون في الأمر جديد، إذ حدّدت القوى الوطنية السورية والعربية ومعهم الحلفاء في العالم، طبيعة هذه المعركة منذ البداية، بوصفها معركة ضد التسلط الإمبريالي الوحيد القطب على العالم، بمقابل القوى التي ترفض الركوع أمامه، وخاصة الشعب السوري ودولته الوطنية، ولكن الجديد في الأمر هو الطابع العلني المفضوح والوقح الذي تعرض تركيا نفسها به أمام العالم، بوصفها دولة ملتزمة بإسقاط الدولة السورية، واقتطاع أجزاء منها وضمها إلى الإمبراطورية العثمانية الجديدة- قيد التأسيس، متحدية بذلك كل قانون بشري وضعي أو إلهي، وسط الصمت المريب الذي يلف  العالم.

إنه وحش العولمة الأمريكي الذي يعربد في كل مكان، متستراً وراء أدوات جديدة، منها الداعشية والنصروية وأخواتهما، وكذلك الإدارة التركية التي نزلت بكل قواها وإمكاناتها إلى أرض المعركة، فماذا نحن فاعلون؟

بالتأكيد يقع على عاتق حلفائنا في الإقليم وفي العالم التزامات لم يقصروا بتنفيذها، ولِم لا؟ فالمعركة هي معركتهم أيضاً والعدو عدوهم، وسورية، وكذلك إيران وروسيا، كلها مستهدفة ضمن المخطط الإجرامي الإمبريالي الغربي- الصهيوني.

لكن العبء الرئيس يقع على عاتقنا نحن السوريين، فنحن أصحاب الأرض، وأصحاب القرار الوطني المستقل، وعلينا دفع ثمن الحفاظ على سيادتنا الوطنية، وعلى حقنا في اختيار النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يراه الشعب السوري مناسباً.

إن الجيش العربي السوري يقوم بواجبه الوطني خير قيام، ويقدم في كل يوم قافلة جديدة من الشهداء الأبرار، وعلى البلاد بكاملها واجب مدّه بالمستلزمات البشرية والعسكرية اللازمة لتطوير أدائه ليتمكن من الدفاع عن أرض الوطن على أحسن وجه.. ولكن هذا الجيش يحتاج أيضاً إلى مقاومة شعبية تقوم بمختلف المهمات المساندة له، مثل الدفاع عن المدن والبلدات ضد محاولات الاختراق التي يقوم بها العدو في ثغورها، كما يحتاج إلى قوى احتياطية فاعلة تستقطب كل القدرات البشرية من مختلف الاختصاصات لرفد الجيش بما يلزمه.

إنها ليست التجربة الأولى التي تمرّ بها البلاد، فقد تعرضت بين عامي 1955 و 1958 لحصار تركي وحشد عسكري استهدف تقويض الدولة السورية الوطنية التي رفضت آنذاك الانجرار وراء المخططات الأمريكية للسيطرة على المنطقة. لقد هبّ الشعب السوري في تلك السنوات بمختلف مكوناته: النظام الوطني والمقاومة الشعبية والجيش الوطني، وحُشدت كل قوى البلاد لصد الهجوم التركي المرتقب، وكانت البلاد وعلى رأسها أحزابها الوطنية، ورجال المقاومة الشعبية الذين تطوعوا بالآلاف ليقاتلوا ويصبوا طاقاتهم كاملة، إلى جانب الجيش. ولم يكن آنذاك لأي من المواطنين السوريين أن يقف متفرجاً أمام الوطن، وهو يتعرض لخطر الغزو والاحتلال.

إننا نحتاج اليوم إلى تعبئة مماثلة، أي أن يكون لكل مواطن ولكل حزب أو مكوّن اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي دوره ومكانته في المعركة التي هي معركة الدفاع عن الوطن، وطن الآباء والأجداد.

العدد 1107 - 22/5/2024