ضباب الإرهاب لن يحجب نور الحل السياسي

ينام السوريون ويستيقظون على (أجراس) القذائف، وما يُسجَّل في النهار يُسْتعاد في أحلام الليل. وتتصاعد تمنيات الخلاص من القتل والتدمير والترحيل على سلالم الأحلام التي تكسَّرت ولم يبق منها خشبة واحدة للخلاص.

كثيرون أصيبوا بعقم الأمل.. وآخرون لم يميزوا بين رائحة الأزهار الطبيعية والاصطناعية.. ومئات الأسئلة تُسجَّل كل صباح في دفاتر الذاكرة.. وتزدحم سجلات دوائر الهجرة والجوازات ومخافر الحدود بألوف الأسماء ممن ينوون الرحيل.. وتغرق زوارق الموت في المتوسط وبحر إيجه ومضيق البوسفور وعلى شواطئ الجزر الإيطالية والقبرصية واليونانية. ولم تقدر الوثائق والمبادرات والتصريحات والمؤتمرات إغلاق أفواه البنادق والراجمات وإسكات مدافع جهنّم، ولا حماية الأطفال والشيوخ والنساء من سواطير المسلحين الذين (يباركون شمس الصباح) بنحر الأعناق وقطع الرؤوس.

ليس من باب التشاؤم ولا من حبّ إغلاق نوافذ الأمل ولا كرهاً بمن يضحي فيبذل المساعي الحثيثة، ويقدم مبادرات السلام ويصرخ بوجه من يعرقل نجاح موسكو وجنيف، ويدعم سورية سياسياً ويرفض التفريط بجغرافيتها، من الأصدقاء الذين وقفوا من بداية (مشوار التقسيم والتفتيت والتخريب ودعم الإرهاب) مع الشعب السوري بمكوناته (الدينية والقومية والثقافية) ضد الرأسمالية المتوحشة وضد العدوان الخارجي ومسوّدات التحالف الإقليمي والدولي لتجديد عنوانات سايكس بيكو القديمة، وإحيائها بحبر مذَّهب من صناعة غربية ووهابية وعثمانية، ووضع كلمة (الجديدة) محل (القديمة).

اليوم.. تتجه زوايا الرؤية بعيون الأمل (الناقص) إلى عواصم عربية وأجنبية.. وإلى إعادة قراءة وثيقة موسكو2 وجنيف.1. ومتابعة التحضير لـ (مؤتمر القاهرة)  في 8 و 9 حزيران، ومؤتمر (الرياض) عاصمة الإرهاب.. وقراءة لقاء (أستانا) عاصمة كازاخستان. ورغم أن كل ما يجري في القاعات والغرف الصمَّاء في جنيف، لرسول السلام (ميستورا) الذي شكل (جيشاً) من الوفود وحدد ستة أسابيع للتعرّف على آرائهم ومواقفهم من الأزمة السورية، ولرئيس (قمح)، وللموتورين والتابعين الذين يرددون كل صباح طقوس المحبة والدعم الكاذبين، والذين يعدّون حبَّات سُبْحاتهم ليلاً نهاراً ومصادر التمويل والممولين بالدولار واليورو.. لكل هؤلاء نقول: الحل سوري – سوري ومن المستحيل أن يكون غير ذلك لو أطبقت السماء على الأرض لإيجاد حل  سياسي متكامل، يبدأ بتجفيف منابع ومصادر تموّل المسلحين ورعايتهم وتسليحهم وإمدادهم بكل ما يلزم، لقتل السوريين وتدمير البنية التحتية، والسعي لرفع العقوبات الاقتصادية، وإجراء حوار وطني جدي بين الحكومة السورية والمعارضة الوطنية وجميع القوى الوطنية والتقدمية السورية المتجذّرة في تربة الوطن، التي ناضلت وقدمت التضحيات من أجل استقلال سورية، والتي ما تزال تدافع عن سورية وطناً مستقلاً  سيادياً وعن حق المواطنة.. وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعقد مؤتمر يجتمع تحت سقفه مكونات المجتمع السوري، ويصدر عنه ميثاق وطني وخريطة طريق لحاضر سورية ومستقبلها.. والعمل لبذل  مزيد من الجهود المخلصة لبناء سورية الديمقراطية..  سورية العلمانية المزدهرة.

ويظل الأمل بمتابعة لقاءات التشاور وتبادل وجهات النظر، والثقة بمواقف أصدقاء سورية، يشكل فسحة للحل السلمي للأزمة السورية والعراقية واليمنية. وقد عبر وزير الخارجية الروسي مؤخراً عن القلق مما يجري من تقدم خطير حققه تنظيم (داعش) في سورية والعراق. ويرى أن هذا التقدم قد عزز من التقارب الروسي – الأمريكي لإيجاد حل للأزمة السورية، وأكد أن هذا التقارب لا يبدو أنه قد اختمر بعد لتوليد تسوية سياسية تنهي الصراع المستمر منذ أكثر من أربعة أعوام.. وفي الوقت نفسه انتقدت موسكو إعلان الولايات المتحدة بدء تدريب مسلحي المعارضة السورية في تركيا.. وهي ترحب باستضافة جولة ثالثة من الحوارات السورية – السورية.

ويتقاطع تصريح لافروف مع تصريح الدكتور بشار الجعفري الذي قال، إن جنيف3 يجب أن يكون تتويجاً للعمل الدبلوماسي والتفاهم السوري – السوري. ويرى أن واشنطن ربطت الملف النووي الإيراني بالأزمة السورية.. وتحدَّث الجعفري عن محاربة الجيش السوري في 400 جبهة ضد 2000 من الجماعات المسلحة.

ولن تتكامل اللوحة السياسية حتى الآن في قطف ثمار المؤتمرات واللقاءات والحوارات والمبادرات (المتقاربة والمختلفة وغير المتجانسة). وما يزال الضباب الأوربي والأمريكي محمولاً على أجنحة التصريحات وفي مقدمها: (الترهيب البوليسي ونهج التفتيت والتقسيم وقتل الشعب السوري وترقب ساعة انهيار الدولة السورية).. وهذه كلها.. وكل ما يشاع ويبث من إعلام زائف وتخويف وتحطيم، لا يؤثر في معنويات شعبنا وجيشنا الذي يقاتل في ساحات الوطن ومدنه وقراه ببسالة ويقدم كل يوم عشرات الشهداء.

العدد 1107 - 22/5/2024