صناعة الغوطة

دخلت الحرب في سورية وعليها عامها الثامن وسط تبدل يومي مستمر بين التفاؤل بانتهائها قريباً والتشاؤم من استمرارها واتساعها نتيجة تصاعد حدة التصريحات والاشتباكات وتباين المصالح الإقليمية والدولية حول نتيجة هذه الحرب وثمارها لكل الأطراف المعنية.

وتأتي استعادة الغوطة الشرقية ضمن حالة التفاؤل العام في العديد من المجالات. وتشكل بالنسبة للصناعة السورية خطوة هامة وبداية لمشوار نأمل جميعاً أن يكون قصيراً وسريعاً. ففي هذه المنطقة توجد مئات المنشآت الصناعية والحرفية الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر وتتنوع أنشطتها بين الصناعات الغذائية والنسيجية وصناعة الأثاث والمفروشات، ومن المؤكد أن قسماً غير قليل من هذه المنشآت، إن لم نقل جميعها، تعرض للدمار والتخريب والنهب بالترافق مع ما أصاب البنى التحتية والمرافق العامة والمساكن من تدمير وتخريب. وهو ما يعيد إلى ذاكرتنا عملية استعادة شرق حرب وما رافقها من مثل هذه الظواهر والممارسات.

لقد بات معروفاً أن عدداً غير قليل من الصناعيين استطاعوا منذ بداية الأزمة نقل جزء من آلاتهم وتجهيزاتهم إلى الأحياء الآمنة وعاودوا نشاطهم الانتاجي بهذا الشكل أو ذاك من خلال الدكاكين والأقبية والمستودعات والبيوت، وساهموا في سد جزء من الحاجة المحلية لمنتجاتهم. لكن تظل أبنية المنشآت ومحتوياتها، وخاصة تلك التي لم يستطع أصحابها الوصول اليها، تشكل جزءاً هاماً من الخسارة الوطنية في هذه المنطقة إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية والمعنوية الأخرى.

 تضمنت التصريحات المبكرة والمشجعة للجهات الحكومية المعنية وغرفة صناعة دمشق وريفها الكثير من الوعود والتحركات لمواجهة متطلبات عودة هذه المنشآت إلى أصحابها وإعادة تأهيلها وتشغيلها. لكننا، وحسب ما نعيشه على أرض الواقع من تجارب في مناطق أخرى سواء بدمشق أو حلب وفي مقدمتها الوعود، نؤكد مجدداً ضرورة تجاوز عملية تبادل إسماع الكلام الطيب بين الجهات الحكومية والصناعيين المتضررين، وتحويل ذلك إلى عمل فعلي يلبي مطالب الصناعيين في هذه المنطقة من النواحي الإدارية والتنظيمية وإعادة الخدمات والمرافق الأساسية وتوفير التمويل اللازم سواء في دفع تعويضات الأضرار أو/ ومنح القروض التشغيلية بعد إعادة النظر بشروطها.

لكن الشيء الآخر الهام الذي يجب إعارته الاهتمام الأكبر هو إعادة تأهيل الأراضي الزراعية ومعالجة الآثار البيئية الضارة التي لحقت بأراضي الغوطة نتيجة القصف والتدمير بما يضمن منتجات زراعية وصناعية صحية.

تمكين الصناعيين والمزارعين من إعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الصناعية والزراعية في الغوطة يشكل مساهمة كبيرة في توفير السلع الغذائية وغيرها لسد حاجة السوق المحلية وخفض أسعار هذه المنتجات وتوفير المزيد منها للتصدير. وهو ما يعني من الجانب الآخر توفير فرص عمل للمتعطلين عن العمل وتشجيع المهجرين والنازحين على العودة للعمل في قراهم وبلداتهم ومدنهم.

العدد 1105 - 01/5/2024