غوطة دمشق تحتاج إلى جهود

إنها درّة دمشق ومنبع خيراتها، إنها ذاك المزيج الجميل من عشب أخضر وشجر مثمر وحاضنة لثروات حيوانية لا تنضب. إنها باختصار سلة دمشق الخيّرة التي لطالما أمدّت دمشق بثمارها حلوة المذاق وشهية الشكل وخضرواتها غنية الطعم وجميلة الرائحة، ورفدت العاصمة بكل ما تحتاجه من منتجات متنوعة تنتشر على مساحات الغوطة الكبيرة، وفيها صناعات متعددة، كلها توقفت بسبب الحرب، وسيطرة الإرهابيين عليها. والآن، مع عودة الغوطة، حصل الاقتصاد على أمل بانتعاش جديد يعيد الحيوية إلى عجلة الانتاج الصناعي المثقل بالهموم.

إن ما تحتويه الغوطة من خيرات يفتح باب الصناعات المختلفة على مصراعيه ليستقبل المستثمرين والصناعيين مثل السابق، ولكن لن تكون المهمة سهلة. إن حال غوطة دمشق يماثل الحال الذي عانى منه ريف حلب، فدمار الأراضي الزراعية كبير، وحطام المعامل هائل، وأعداد الثروة الحيوانية في حدودها الدنيا، لهذا يجب البدء بوضع خطة تقوم على إنعاش جميع القطاعات بالتوازي لتصب في النهاية في مصلحة إنعاش الاقتصاد.

الأراضي الزراعية الخصبة التي هُجِرت بسبب خوف العاملين فيها على حياتهم، وبالتالي أصبحت بحاجة إلى استصلاحها وتنظيفها من مخلفات المعارك حتى تستطيع التربة احتضان البذور كما عهدت وتنبت فيها بشكل سليم بعيداً عن الخوف من الأوبئة والمواد الضارة. وكذلك الحال بالنسبة لبساتين الأشجار المثمرة التي يبس جلّها وتحطّم الآخر، وبقي قسم صغير يصارع الموت، فإن كنا نريد العيش برغد كما السابق، فإن علينا إعادة زراعتها من جديد لتدر علينا خيراتها كما عهدناها.

ويمكن الاستفادة من الفائض في الصناعات الغذائية التي اعتادت سورية أن تتغذى منها وتصدّر منها لدول الجوار، وبإعادة استصلاح الأراضي ستعود الصناعات الغذائية إلى أوجها من جديد، وبالتالي تكون من العوامل المساعدة في دفع عجلة الاقتصاد بالتوازي مع إعادة إعمار المنشآت الصناعية التي كانت منتشرة في الغوطة، والتي تمركز قسم لا يستهان به في المنطقة الصناعية في عدرا، تلك المعامل التي دمر القسم الأكبر منها وسرق الآخر من معامل نسيجية وهندسية وغذائية وحرفية وكيماوية ومواد بناء ومعامل بلاط ورخام وسكب معادن وغيرها الكثير من الصناعات والمشاريع المتوسطة والصغيرة بحاجة إلى تهيئة البنى التحتية لها ومنح تسهيلات لمالكيها ليتمكنوا من تعويض ما خسروه، والعمل بما بقي من آلات بعد إصلاحه، فهذه المعامل كانت الضحية الأولى للحرب الطاحنة، ومع عودة هذه المعامل للعمل تعود معها فرص العمل التي توظف ألاف الشباب وتؤمن مصدر رزق لهذه العوائل، مما سيشكل كتلة نقدية تطرح في السوق تنشط سائر القطاعات، ومن ضمنها الثروة الحيوانية التي ستشهد كما السابق زيادة في أعداد الأغنام والأبقار التي كانت منتجاتها مادة أولية لصناعات الأجبان والألبان، الذي اعتمد بشكل كامل في الفترة الأخيرة على الحليب البودرة المستورد بالقطع الأجنبي، فبمجرد الاعتناء بالثروة الحيوانية سيكون لدينا ناتج محلي يغنينا عن الاستيراد، ما سيعود بالنفع على المواطن انخفاضاً في أسعار هذه المنتجات الغذائية المستهلكة، وأيضا في أسعار اللحوم التي ضاق المواطن ذرعاً من ارتفاع سعرها فتخلى عنها.

إن الغوطة بخيراتها وإمكاناتها تنتظر اليد المصلحة التي تنتشلها من دمار الحرب وتنعشها من جديد، ولكن بخطوات سريعة وفعالة، والانتقال إلى مرحلة جديدة بدايتها مساعدة المستثمرين والصناعيين للبدء بالعمل، لنعيد ألق الحياة إلى الغوطة وأهلها وخضرة أراضيها ونقاء هوائها.

العدد 1105 - 01/5/2024