متى يكون الرفض واقعاً والتعاطف حقيقياً؟

نار عظيمة اشتعلت، اتقدت بغير إنذار، أحرقت من البشر بالموت ما أحرقت وحتى الحجارة لم تسلم، تاريخ بلاد يُباع، والشعب بأكمله قد ضاع.. أيُّ شعلة فتنة تلك حركت الحقد فينا..؟!

ألعبة سياسة أم واقع لُعِب بإعدادات تكوينه حتى انفجر اللغم ذات يوم فشَدَّتِ البنادق نخوة الشبان وحماسهم..؟

الكارثة الحرب لم ولن تقف عند حدود جغرافية ولدت فيها، بل تغزو الجوار وترسل القذائف عبر البحار، تُنهك الأرواح رعباً حتى الفجر ما عاد فجراً.. ورحاها لم تُفرّق بين عصا مُسِن ودمية طفل.. وفي منتصف الطريق يعتصر الروح سؤال: هل نبقى ونبيع الروح لتراب الوطن؟ أم نشتري بغربتنا الأمان والسلام؟

صراع الإجابة مرير قد تنتصر فيه غريزة البقاء أخيراً تلك التي دفعت الإنسان البدائي يوماً للترحال بحثاً عن أسباب الحياة وتعود لتمسك بيده اليوم حتى يتحرك. فهناك الكثير ممّن يتلمّس الهروب نحو غدٍ أفضل تاركاً خلفه واقعاً مقيتاً سواء كانت الحرب والنزاعات سبباً أم الفقر المدقع والسعي لفرصة حياة جديدة.. وهنا تبدأ رحلة الهجرة.. فهل هي رحلة هجرة.. وإن كانت رحلة فمتى ميعاد الرجوع..؟

الهجرة اليوم باتت هروباً وليست رحلة، هروب من الحرب إلى نير تاجر بشري في البداية، فالمواطن البائس الذي يبحث عن تذكرة حياة مع عائلته صار يُستغل بشتى الوسائل لأنه الفريسة الأشهى والأكثر كسباً لملايين الدولارات لمسؤولي شبكات التهريب.

فالرحلة محفوفة بمخاطر وثائق مزورة وطرق غير شرعية وغير آمنة هي الخيار الوحيد لصراع البقاء، وقد يقع المهاجرون في شرك مكيدة تتركهم وسط غابة وقد سُلبت أموالهم، أو حين يركبون قارباً مطاطياً صغيراً يترنّح بمئة شخص وأكثر، والوصول به إلى البر بيد رحمة القدر، إضافة إلى العوائق المادية والنفسية، إذ يضطر بعض المهاجرين للعمل بأي عمل يُتاح لهم خلال رحلتهم ليستطيعوا إتمام طريقهم إلى بلاد منها ما فتح صدره لهم بالعلن أو تحت ضغط أخلاق إنسانية تمنعهم من ترك الأرواح تموت أمام ناظريها، وهذه الطريقة الاستغلالية للتهريب يعدها المجتمع الدولي شكلاً من أشكال جريمة الاتجار بالبشر مستنكراً استمرارها رافضاً للواقع الذي فرضها.

وقد كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (192/68) لعام 2013 شكلاً من أشكال التعبير عن رفض الاتجار بالبشر، لأنه رقٌّ بعباءة الحضارة متخذاً يوم 30 تموز يوماً عالمياً للمناهضة الاتجار بالبشر.

وتعود جدلية صراع الشعارات البراقة والعناوين الفضفاضة لقرارات المجتمع الدولي ومؤسساته، مع واقع لا يحرك شيئاً.. فمتى سيكون الرفض عملاً والتعاطف حقيقة..؟! كيف نصدقهم وإغراؤهم لأحلام الشباب فاق سقف واقعهم حتى لهثوا وراء مسمى لاجئ؟! جرائم علنية ومُبطنّة تقع والحل عندهم بقرارات على ورق.. سنبقى بانتظار ضمير بكى فمدَّ اليد..

العدد 1107 - 22/5/2024