قرارٌ واحدٌ يكفي

تشكِّل شريحة الشَّباب الغالبية والأكثر عدداً بالمقارنة مع باقي الفئات والشَّرائح في أيِّ مجتمع، وهذا ما يعطيها صفة الحيوية والتطور، لكن قرار مجلس الأمن رقم 2250 تاريخ 9 كانون الأول 2015 سلَّط الضوء على نقطةٍ في غاية الأهمية أتى على ذكرها: إنَّ مجلس الأمن يعرب عن قلقه، لأن الشَّباب المدنيين يشكِّلون غالبية سكَّان البلاد التي تعيش نزاعاتٍ مسلَّحةٍ، وهم الأكثر تأثُّراً بشكلٍ سلبيٍّ بها، بما في ذلك اللاجئين خارجاً والمشرَّدين داخلاً، لأن عرقلة حصول الشَّباب على فرص التَّعليم والعمل يؤثِّر تأثيراً خطيراً في جهود تحقيق السَّلام الدَّائم والمصالحة، ومسلِّماً من ناحيةٍ أخرى بالإسهام الإيجابي الذي يقدِّمه الشَّباب من أجل صون وتعزيز السَّلام والأمن….

أتوقَّف عند هذه الفكرة التي استفزَّتني كثيراً وطرحت سؤالاً مرعباً: أليس أحد أهم أسباب النِّزاعات المسلَّحة في البلدان النامية أنها مجتمعات شابّة بأجيالها الفتية القابلة للتطوير والرقي؟

فمن المعلوم أنَّ مرحلة الشَّباب تتَّسم بالتَّطور والنُّمو والعمل على السَّعي نحو الأفضل ومواكبة آخر التَّطورات، كما أنها تعني التَّمرد والجموح، اللذين إن أُتيح توظيفهما بشكلٍ صحيحٍ، كانت الاستفادة منهما كبيرةً جداً وعلى مختلف المستويات، علميَّاً واجتماعياً وتعليمياً وتربوياً… وعلى هذا فإن تلك النِّزاعات المسلَّحة ستهدر طاقات هذه الفئة بكلِّ المجالات، وبالتالي لن تكون قادرةً على فعل أي شيء أمام الموت المحتَّم واليومي، لأنها زُجَّت بقصدٍ أو بغير قصد في ذلك النِّزاع، وأُجبرت على أن تكون أحد أطرافه شاءت أم أبت، وإلاّ فلن يبقى أمامها سوى الرَّحيل بغير رجعة إلى بلدانٍ أخرى تتبجَّح بحقوق الإنسان وباهتمامها بقدرات الشَّباب وطاقاتهم الخلَّاقة، فتتلقَّفها منقذةً إيَّاها من براثن الموت، ليس حبَّاً بها، بل للإفادة منها في تطوير إمكانيِّاتها الخاصَّة وتنمية مجتمعاتها وبنيتها التحتية.

وهذا ما حدث ولا يزال يحدث مع الشَّباب السُّوري، في ظلِّ الحرب الضَّروس المستعرة حتى اليوم، فمن بقي منهم داخل البلاد هو هالكٌ لا محالة، لكونه انتمى عنوةً إلى أحد الأطراف المتحاربة، ولا أمل يملكه بغدٍ أفضل، على الرَّغم من بروز عدَّة محاولات لبث الأمل من واجبنا ألا نُغفلها حقَّها، ومن خرج منهم فقد تحوَّل إلى وسيلةٍ بيد بلادٍ منَّت عليه باستقباله لاجئاً ستستخدمه ذات يومٍ لمصالحها الخاصَّة، إمَّا وسيلة ضغطٍ للوصول إلى مآربها في بلادنا، أو عنصراً منشِّطاً لمجتمعاتها العجوز، كما يحدث في دول أوربا التي استقبلت اللاجئين السُّوريين لكونها تفتقر إلى شريحة الشَّباب، وعلى هذا ستأخذ منهم من تجد في بقائه فائدةً لها، وستعيد الباقي إلى الخراب والدَّمار بعد انتهاء الحرب، بحجَّة انتفاء السَّبب العلني الذي استقبلتهم من أجله (الحرب).

في كلتا الحالتين، فإنَّ الشَّباب العنصر الذي كان من المفترض أن يكون هو الفاعل والمغيِّر والمؤسِّس للأفضل تحوَّل إلى مفعولٍ به يتم تحريكه من قبل الآخرين… هناك من سيقول لي إن هذه الشَّريحة ستعيش في الخارج بأمانٍ، وستحقِّق ما لم تكن قادرةً على تحقيقه في الدَّاخل، أقول إن هذا الكلام صحيح إن نظرنا إليه على المستوى الشَّخصي الآني، لكن بنظرةٍ إلى البعيد سنجد أن هذه الطَّاقات لن يُعمل على تطويرها وتنميتها لتخدم بلادها الأصلية بل لتحقق التَّطور والرُّقي والنمو والحضارة لتلك البلاد التي استقبلتها، التي هي ذاتها من يموِّل السلاح المستَخدم في الحرب التي أخرجتها من مهد طفولتها وبيئتها وبلادها.

كفاك يا مجلس الأمن إعراباً عن قلقٍ لم يأتنا إلاّ بمزيدٍ من المصائب!!

كفاك قراراتٍ ومؤتمراتٍ وجلساتٍ لم تثمر حتى اليوم بشيء…

فلتتجرَّأ يا صاحب السُّمو وتتبنَّى قراراً واحداً جريئاً وصريحاً بوقف الحروب في كلِّ بقاع الأرض، حينئذٍ ستعرب عن فرحك، إذ سيصبح حال الشَّباب أفضل بكثيرٍ من كلِّ ما تتضمَّنه قراراتك وستنهض جميع الشُّعوب والدُّول لتطوير ذاتها وإفادة بعضها، وسيتوقف قتل البعض في سبيل عيش البعض الآخر.

العدد 1105 - 01/5/2024