تساؤلات في فضاءات الطاقة

لم يكن ذنب الحرب وحدها ما وصل إلينا وانتشر بيننا من مفاهيم وأفكار سلبية أو إيجابية، فالغزو الثقافي الفكري موجود منذ زمن بعيد لكن بأشكال مختلفة تبعاَ للعصر، واليوم تجرنا كلمة حداثة وتطور نحو آفاق كثيرة لا نعرف منها الصحيح الصادق بوجود طبول إعلامية تُقرع وتصدح بشتى وسائلها فتشوه الصورة حين تركّز عليها وتزرع حضورها الطاغي يومياً.

فقد كثرت في الآونة الأخيرة مصطلحات براقة رنانة يتهافت عليها الجميع، مثل (علم الطاقة) و(التداوي بالأعشاب).

وقد استهوى هذا الموضوع كثيراً من الشباب الذين يلتحقون بالدورات التدريبية التي ينظمها المتخصصون في هذا الفن، بينما يتوجه البعض منهم إلى مؤسسات خاصة للحصول على شهادات، فيخرجون منها بأصوات تصدح بالنصح والإرشاد، ولم يقف أمرها على ذلك، بل غزت الكتيبات التي تتحدث عن موضوع الطاقة الأسواق ومعارض الكتاب كمعرض مكتبة الأسد الدولي للكتاب، لكُتاب عُرف بعضهم بمواضيع مطروحة تتضارب بالأفكار، إضافة إلى أن هذه الكتيبات خالية من التوثيق والإشارة إلى المصادر، كتيبات الهدف من ورائها مادي محض فيما يبدو.

فما هي هذه الطاقة؟ من وضع أسسها؟

من صدّق شهادات المراكز وأعطاهم الحق؟ هل مصطلح علم يناسب محتواها؟!

والكارثة مع الأعشاب وسحر مفعولها!

هل عجزت أفكار عالم عن كشف سرّ نبتة حتى جرّته التجارب ليخلصنا بعلاج كيميائي سلب من عمره الوقت والجهد الكثير؟ أين الضمير والرقابة على هذه الظواهر والأكاذيب المنتشرة وبكثرة ووفرة لم يُسمح بها لغيرها من الكتب؟

إن ما أضفى الطابع العلمي على (علم الطاقة وطب الأعشاب) استخدام المتحدث لمفردات علمية كالذرة والبروتون والنيوترون، مما قد يوهم القارئ بأن المتكلم يتحدث عن علم من العلوم وأنه ملم بالفيزياء. والحقيقة أن اللجوء إلى تلك المصطلحات العلمية إنما هو بهدف إلباس هذا الفن (العلاج بالطاقة) لبوس العلم إضافة إلى أن الأعشاب أول طريق الطب، والمجتمع منقاد بسهولة مدهشة لم يحرك ساكناً.

فإلى أين نسير؟

ليس السير وراء السيل صحيح فقد يجرنا إلى التهلكة.

قال غاندي: (أفتح نوافذي للريح شرط ألا تقتلعني من جذوري).

نحن الآن نرى في كل نسمة أنها المخلص من جذور قالوا عنها إنها متخلفة فصدقنا، خلعنا لباس العقل لننفتح، فما فتحنا إلاّ أبواب حرب تُشن علينا ونحن السلاح على أنفسنا.

نربط تطور ذاتنا بالتلقي ولا نُعمل العقل، بل نُصدّق كل ما يُقال!

العمل والتفكير العجلة المحركة والذي يقوم عليه وبه الفرد والمجتمع، فإن وقف الفرد وانتظر سيكون عبداً للآخرين وننقلب كلنا إلى آلات تعمل دون تفكير أو دراية.

العدد 1105 - 01/5/2024