لا صناعة ولا اقتصاد متطور إلاّ بكوادر مهنية مؤهلة علمياً

 يقوم تقدّم العديد من الدول الصناعية الكبرى أو تلك التي نهضت من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية كاليابان، على رفد فروع صناعتها بعمالة مؤهّلة علمياً وحتى أكاديمياً، وذلك منذ سنوات التعليم الأولى أو المتوسطة، بغية تأهيل الطلاب تأهيلاً صحيحاً ودقيقاً منذ بدء تشكّل وعيهم وإدراكهم لقيمة العلم والعمل، لذا نراها في قائمة الدول المتحضّرة والمتقدمة صناعياً وتقنياً.

أمّا في الدول المتخلفة صناعياً، فإنها لا تولي هذا الجانب أهمية تُذكر، لذا يبقى اقتصادها قائماً على الصناعات الخفيفة فقط. ففي سورية، اعتمد منتصف القرن الماضي التعليم المهني بمستويات وأدوات خجولة إلى حدّ ما، وذلك لسببين أساسيين، أولهما يتعلق بالحكومة والمسؤولين في وزارتي التربية والتعليم العالي، إذ تخصص المعدلات الدنيا للتعليم المهني سواء في الثانويات أو المعاهد، إضافة إلى عدم اعتماد مناهج فيها تواكب التطور التقني والعلمي المتسارع، وأيضاً عدم توفير بنى تحتية كافية ومتطورة تساعد الطلاب في دراستهم وأبحاثهم. وهذا ما أسس للسبب الثاني المتعلق بالنظرة الدونية من المجتمع إلى هذا النوع من التعليم بحكم الإهمال الحكومي، إضافة إلى سيادة ثقافة أو ذهنية مجتمعية قائمة على تمجيد التعليم العالي لاختصاصات بعينها (طب، هندسة، صيدلة.. الخ) دون غيرها حتى ضمن التعليم الأكاديمي، واعتبارها مؤشّراً على نبوغ الطالب تعمل على رفع مكانته الاجتماعية والمادية.

لذا على الحكومة، خاصة في ظلّ إعادة إعمار ما هدّمته الحرب، أن تولي التعليم المهني أهمية تليق بكل الأهداف والرؤى المستقبلية سواء لاقتصادنا الوطني أو لسورية وشعبها، من خلال المساواة بينه وبين باقي فروع ومجالات التعليم الأخرى من حيث معدلات القبول، أو الإعداد والتأهيل ورصد الميزانيات اللازمة لمساعدة الطلاب المتميّزين على البحث العلمي في مجالاتهم المهنية، وأيضاً وضع سياسات عمل وتصنيع قائمة على الاستفادة من خريجي هذا التعليم الذين تحتاجهم المرحلة الراهنة، خاصة بحكم التطور الحاصل على الآلات والمعدات التي ستحتاجها الصناعات الحديثة، والتي لا تتوافق مع تقنياتها غالبية العمالة التقليدية السابقة، وكذلك تقاعد النسبة الأكبر من العمالة الخبيرة، التي لا شك تركت فراغاً كبيراً لا تعوّضه إلاّ العمالة المؤهلة أكاديمياً وعلمياً.. فهل هناك من مُصغٍ وجادّ في الحكومة!

العدد 1105 - 01/5/2024