التعليم المهني…الحلول النائمة في الأدراج

 لا تكمن المشكلة برأيي- في توجيه المعدلات العالية للطالب الذي أنهى مرحلة التعليم الأساسي إلى الفروع النظرية (العلمية خصوصاً) وترك فروع التعليم المهني للطلبة الناجحين بصعوبة، وبالتالي جمع (الفاشلين دراسياً) في التعليم المهني.

المشكلة هي في ثقافة جمعية متوارثة تحتقر العمل اليدوي أو تنظر إليه بازدراء وتُمجّد العمل الفكري وتراه مهماً وأساسياً. فالنجار والحداد والسمكري وحتى من يصلح الأحذية لا يقلّ أهمية في خدمة المجتمع ونهضته عن الطبيب أو المهندس أو المدرس أو الموظف الإداري إلاّ بمقدار ما يُخلص كل واحد منه لمهنته ودوره في الحياة والمجتمع.

مسؤولية وزارات التربية والتعليم والثقافة تُقاس بمدى مساهمتهما في تكريس هذه الرؤية، لا تقويضها تدريجياً، عبر إهمال التعليم المهني، والأهم إهمال مُخرجات هذا التعليم باتجاه الاستفادة من خريجي المدارس والمعاهد المهنية في مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام المتعثرة، والتي تكمن إحدى أهم مشاكلها في تسرب اليد العاملة الخبيرة منها  قبل الحرب، وفي هجرة الخبرات خلال سني الحرب القاسية… إضافة إلى التنسيق مع الجهات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص باتجاه منح خريجي التعليم المهني فرصاً لبناء مشروعات صغيرة أو الدخول في الشركات الخاصة الكبيرة…

هي من الظواهر الكثيرة التي تثير الاستغراب والدهشة في سورية، كأن يعيش موظف حكومي على راتب شهري 30 ألف ليرة سورية(ما يعادل 75 دولاراً تقريباً) فيما مصروف العائلة الشهري يتعدى مئتي ألف ليرة شهرياً كحد أدنى!!

البلاد نزفت الأيدي الخبيرة، والحكومة تعرف جيداً حجم النقص في اليد العاملة، لكنها تُغمض عينيها عن الموضوع، ولا تُسارع إلى وضع خطط على مختلف المستويات لجعل التعليم المهني أحد مصانع الكادر المهني المثقف والعلمي، كما تُغمض عينيها عن الفرق الهائل بين ما تتطلبه أوليات الحياة وحاجاتها الضرورية، والرواتب التي جُمّدت منذ سنوات.

ما يجري الحديث عنه من إعادة الإعمار للمناطق والمصانع والمنشآت التي دُمرت كلياً أو جزئياً، إن كان سيحدث فعلاً في المدى المنظور، يزيد من إلحاح هذا الموضوع: تهيئة كادر مهني مُدرّب ومُهيأ للدخول في عملية إعادة الإعمار إن حصلت، هو المدخل الصحيح الذي يُنقذ سورية من تدفق يد عاملة من مصر أو الباكستان أو إفريقيا، فيما الشعب السوري يصارع الجوع وينتظر سلة معونات المنظمات الدولية حتى لا يموت جوعاً.

لكن حكومة كهذه تسير على النهج نفسه الذي خطّته الحكومات المتعاقبة التي اكتفت بإدارة الأزمات دون وضع خطة منهجية لتجاوزها نهائياً، حكومة كهذه ليست مؤهلة للدخول في معالجة متكاملة لمشكلة تغييب التعليم المهني، لأن الصفقات مع حيتان الاستيراد والاحتكار يتطلب أول ما يتطلب قطاعاً صناعياً فارغاً من الكوادر المؤهلة، واقتصاداً ريعياً لا إنتاجياً يعتمد على تصدير المواد الخام واستيراد كل شيء.

العدد 1105 - 01/5/2024