مشكلتنا.. لسنا مبدعين علمياً ولا نُقدّر الكادحين مهنياً!!

 لأن المجتمع السوري مجتمع زراعي ومهني بالأساس، ومعروف منذ القِدم حول العالم بصناعاته اليدوية، لعلّ ذلك ما جعل من تحصيل الشهادات الجامعية في المجالات العلمية والأدبية باباً للتميّز و(البرستيج) الاجتماعي. فهذا المجتمع شغوف بتحصيل ما ينقصه، وبالنهضة واستعادة الدور الحضاري الذي يقوم على تكامل الوظيفة الاقتصادية بين العلوم والمهن.. هذا على الصعيد الشعبي، لكن أن تستخف الحكومة لاسيما وزارتي التربية والتعليم العالي اللتان تجعلان المحصلات المتدنية من نصيب التعليم المهني سواء في التعليم الثانوي أو الجامعي، فهذا ما لا يمكن تفهمه خاصة أن الدول المتقدمة في العالم أجمع تسعى لتشجيع الجانب المهني من حيث تقارب الأجور بين المهنيين وخريجي سائر الكليات العلمية والأدبية، وكذلك من حيث الاهتمام بتعليم المهن. ولا يُنظر على الصعيد الرسمي أو الشعبي إلى صاحب المهنة على أنه شخص أقل ذكاءً من خريج الفروع غير المهنية، فهناك أكثر من أمير أوربي اليوم يزاول مهنة كالنجارة مثلاً.

ولعلّ المعيار في أي عمل هو الإخلاص والإتقان سواء أكان مهنياً أم علماً تطبيقياً أو نظرياً، ويجب أن ينال الإنسان الاحترام والتقدير بناء على ذلك وليس بناءً على كونه صاحب مهنة أم لا.. ولو كانت المهن تتطلب ذكاءً أقل لما وجدنا في تاريخ البشرية هذا الكم من الشخصيات القيادية والمقدسة من أصحاب المهن، فنبي الله عيسى مثلاً كان نجاراً.

وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى، فأهل بلاد الشام عانوا الأمَرَّيْن بسبب الاستعمار العثماني الذي رحّل مختلف الخبرات وأصحاب المهن إلى بلاده، وأيضاً الاستعمار الفرنسي، فقد كانت تُنهب خيرات البلاد إضافة إلى القحط والمجاعات التي مرّت بها سورية في تلك الفترات، ممّا جعل الكثير من السوريين يخشون الفقر، ولأن المهن تعتمد على جهد كبير وساعات عمل أطول، والمقدرة على تأمين دخل لائق منها مرهونة بكون صاحب المهنة بكامل صحته ولياقته البدنية. لعل كل ذلك جعل الأهالي حتى من كان منهم من أصحاب المهن يفضلون أن يسلك أولادهم طريقاً أخرى حتى لو كانت مُتعبة في بدايتها إلاّ أنها مريحة أكثر على المدى البعيد ومأمونة أكثر. وإذا أردنا إنصاف المهنيين وزيادة تشجيع الناس على تعلّم المهن، علينا بلا شك القضاء على ظاهرة تهرب أصحاب المنشآت المهنية والشركات من تسجيل العاملين لديهم من المهنيين في التأمينات الاجتماعية والصحية، لأن هذه الأخيرة هي التي تشكل الضامن لمستقبل المهني الذي يفني جسده أكثر من أي شخص آخر في مسيرة عطائه للمجتمع.. ضمان مستقبله حين يصبح جسده أقل كفاءة لتلبية المهنة التي يزاولها، أي حين تتراجع غزارته الإنتاجية أو يصبح عاجزاً عن أداء العمل.

العدد 1105 - 01/5/2024