مصلحة ما زالت تائهة بين الحاجة والتطبيق

في كل حديث عن النظرة الصحيحة إلى الأشياء وخصوصاً الأشياء والمعالم الحديثة، يكون مجتمعنا مُستثنى بإلاّ.. واكب ركب الحضارة في مزاولة الأفعال ومقاربة القشور، لكن لم يمسّنا التطور والتجديد من داخلنا.. بقيت مبادئ عصر حجري مضى هي نقطة إشعاع أفكارنا والموجّه الأول لنهج تعاملنا..

ففي وقت مضى لم يشهد فيه ذلك العصر ثورة تقنية، من المؤكّد أنه لن يعطي أهمية للمهن والصناعة والعمل الحثيث لتطويرها وخلق أيادٍ ماهرة تُبدع وتصنع، كان جُلّ الاهتمام على محو الأميّة الأبجدية.

لكن الموجع أننا الآن في عصر التكنولوجيا والحداثة، في زمن بات كلمة صناعة هي الخطوة الأولى لرقي فئات المجتمع، فدولة دون صناعة ومعامل ويد شبابية ترسم المستقبل هي الدولة التي تستحق لقب الجهل التخلف والأميّة…أميّة الحرف ليست أميّة، بل جهل قيمة وجود أدمغة مبدعة متعلمة تعرف كيف تُدار أشرعة الحياة..

اليوم ونحن نرفع شعارات النهوض والثورة المعلوماتية نسأل طريق العلا لنشقّهُ، لكننا ما شققنا إلاّ أحلام شباب وقف عاجزاً لنظرة مجتمع جعل من حلمه سخافة وهراء يجلب العار والخزي للعائلة.

تعليم مهني!! تود أن تختار الصناعة؟! أي فشل دراسي حطّ بك في براثن أيام تقضي فيها عمر التعلّم دون جدوى.. فتتخرج عاملاً تنبذه نظرة مثقف كانت الشهادة همّه الأوحد؟

لكن، هل يُتقن كل خريج جامعي من علمه عملاً جدياً مجرّباً؟

من المؤكد أن الشهادة الجامعية والدراسة الصحيحة الوافية مهمة، لكن وجود يد عاملة قادرة على تنفيذ مخططات الورق لتصير واقعاً ملموساً، لا شكّ أنها ذات أهمية لا تقلّ عنها، فهي الحلقة الواصلة ما بين العلم والواقع العملي.

المشكلة أن التعليم المهني والتقني موجود في كنفنا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنه كان وما يزال الطفل المنبوذ، يعامل هو وكل تابعيه كذوي احتياجات خاصة بنظرة دونية تتبعها الشفقة والنبذ من المجالس..

يدرك قسم قليل أو نادر من المجتمع معادلة وجود التعليم المهني كحجر أساس ينهض بنا في الكثير من المجالات انطلاقاً من كون المتعلّم أو الخريج المهني سيُمَدُّ بالمعرفة العلمية والعملية معاً، وبالتالي فإن المهنيين هم أطر فنية في مختلف الاختصاصات، مما سيساهم في بناء الاقتصاد الوطني للدولة بشكل سليم.. فالإنتاج من صنع الشباب، ولهم أهمية أو فاعلية شخصية، أو ضمن منفعة وطنية، لكنه للأسف يبقى كلاماً لا يمسُّ عقول مجتمعنا!!!

كيف, والدولة ذاتها من أسقطت التعليم المهني والتقني لتجعله مقعداً لغير الجاد, قليل الذكاء أو التحصيل الرقمي لعلامات ليست مقياساً للنجاح الفعلي..؟

مصلحة مازالت تائهة بين إدراك الحاجة وتطبيقها على أرض الواقع بتدابير جادة تُعيد لكلمة تعليم، مهما كان الفرع والتخصص، هيبة وإيماناً بالقدرات الكامنة عند كل فرد بمجاله.

العدد 1105 - 01/5/2024