الطاقة.. علم تُحَرِّفه الشعوذة والعشوائية

سادت في العقود الأخيرة أنواع عديدة ممّا يُطلق عليه توصيف (الطب البديل)، وواضح من التسمية أنه استبدال لمعظم علوم الطب الأكاديمي التقليدي، في محاولة مشبوهة لإحداث تغيير وتطوير على هذا المستوى في نظر الناس اللاهثين أبداً وراء مُنقذٍ يُخلصهم من آلامهم وعذاباتهم.

ويشتمل (الطب البديل) على التداوي بالأعشاب والزيوت العطرية المتعددة الأنواع، والطاقة، والطب الصيني الذي لم ينجُ أيضاً من شعوذة التداوي بالإبر الصينية … الخ.

ولقد استندت بعض الممارسات على علوم أساسية لمؤلفين وعباقرة كبار كابن سينا، ريتشارد جيربر، لاوتسو وسواهم، ولكن بشكل خاوٍ من أيّ مضمون حقيقي أو فاعلية تّذكر.

ولقد انتهز المشتغلون بالطب البديل أو ما يُسمى باتجاهات الطاقة الجانب الروحاني الذي يحتل حيّزاً غير قليل عند الغالبية من الناس، وانطلقوا من أصل معتقد الطاقة الذي يرتكز إلى وجود قوة هائلة تملأ الفراغ الموجود في الكون، فتسيّره وتحفظ نظام السموات والأرض، وتمُد جميع المخلوقات بالحياة والقوة التي تتمثّل بشكل كبير في النجوم والكواكب والأفلاك، وهذه أيضاً يستند إليها المنجمون في حماسهم اليومي المحموم الذي يتلقفه البعض بجدية لا توصف. وتتكون هذه الطاقة من قوتين متضادتين ومتناغمتين: طاقة إيجابية وطاقة سلبية، وبالتعبير الصيني الين واليانغ.

وانطلاقاً من كل هذا، جرى تسويق هذه التطبيقات والترويج لها على أنها برامج تدريبية وعلاجية تساعد على تنظيم تدفّق الطاقة في جسم الإنسان عبر مسارات خاصة، فانتشرت تطبيقات الريكي، والتاي شي، والشي كونغ، والتنفس التحوّلي، والتأمل التجاوزي، واليوغا وغيرها من أنواع التمارين والرياضات والتدريبات العلاجية الاستشفائية التي تُطهر الجسم من طاقة الكُره والشرّ وجميع الطاقات السلبية، وتساعده لاكتساب طاقة الخير والحبّ والشفاء وجميع الطاقات الإيجابية المؤثِّرة في الصحّة والروحانيّة والسعادة!

وقد افتُتِحَت لهذه الغاية مراكز وعيادات بإشراف أُناس غير مؤهلين أكاديمياً، لكنهم أطلقوا على أنفسهم ألقاباً حازوها دونما جهد أو تعب أو دراسة، مثلما حازوا على اهتمام الناس واحترامهم، ومعهم للأسف مختلف أجهزة الاعلام من صحافة وتلفزيونات وإذاعات ومحطات فضائية أفردت لهم مساحات واسعة من زمن بثّها، لم تُفرده لمثقف أو أديب أو سياسي أو حتى تربوي جاد يسعى لإنقاذ الأجيال الحالية من الأمية المعرفية واللغوية،  والأكثر والأخطر من هذا، تعيين البعض من أولئك المشعوذين والمتسلقين على جدران المعرفة والعلوم، في مناصب مستشارين لبعض المسؤولين، دون أن يكون للرقابات الناشطة في مختلف مجالات المنع أيُّ دور في التصدي لأولئك المتسلطين على عقول الناس وجيوبهم، بأريحية لم يحظَ بها أكاديميون عريقون.

فإلى متى ستبقى هذه الرقابة مغمضة العينين عن هذه الممارسات البعيدة كل البعد عن الأساس المنطقي لكل العلوم، والمرتكزة في أساسها على الوهم الذي يسيطر أصلاً على حياة الناس؟  

 

العدد 1105 - 01/5/2024